16 آذار 2024
https://www.nidaalwatan.com/article/262063
صارت جزءاً من التاريخ الجميل، آتت أكلها وطويت صفحتها. هي ككل حدث تاريخي، إن تكررت ففي الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة. حنين جمهورها إليها يشبه الحنين العربي إلى غرناطة في الأندلس أو حنين الإسلاميين إلى عصر الصحابة أو الأحزاب الشيوعية إلى الأممية الثالثة.
لم أغب عن أي من مناسباتها، لكنني لم أقصّر في نقدها. كنت أرفق مشاركتي في نشاطاتها بكتابة مقالة نقدية عنها. جمهور رائع أساء القادة إليه. أخذتهم نشوة المشهد المليوني في ساحة الشهداء ومتفرعاتها واستجابة الجماهير للرد على تجمع مضاد في ساحة رياض الصلح. تعاملوا مع الرأي المختلف كأي مستبد. لا صوت يعلو فوق صوت المعركة لإخراج الجيش السوري من لبنان. اعتقدوا أنّ إخراجه كاف لإخراج الوطن من أزمته.
طبعاً كان ينبغي أن يخرج المسؤول المحتمل عن اغتيال رفيق الحريري والمسؤول بالتأكيد عن كوارث أخرى، لكنهم رفضوا الإجابة أو أجابوا خطأ على سؤالين. ماذا بعد خروجه؟ وماذا عن دخوله وعمن استدعاه وعمن تعاون معه؟
كانوا متيقنين من أنّ مغادرة الجيش السوري تكفي لإعادة اللبنانيين إلى وحدتهم الوطنية. لذلك سارعوا إلى عقد الاتفاق الرباعي ونسّقوا مواقفهم في أول انتخابات نيابية أجريت بعد عهد الوصاية. أما السؤال الثاني فلم يكن محل اهتمام أحد، لأنّ النقد الذاتي ليس من تقاليد أي منهم.
جواب وامتناع عن جواب. من خلالهما نفهم لماذا كان عمر الحركة قصيراً. وجهت القيادات جمهورها كما لو أنها حركة تحرر وطني من استعمار أو احتلال، وهو أمر كررته لاحقاً بعض التحليلات حيال الدور الإيراني، مع أنّ التدخل السوري أو الإيراني ما كان لأي منهما أن يحصل لولا مرتكز محلي وفر له الغطاء.
ركزت 14 آذار على خطر العامل الخارجي واستبعدت الداخلي، انطلاقاً من الاعتقاد بأنّها «حرب الآخرين على أرضنا». التنصل من المسؤولية أبقى جمر التوتر تحت رماد الأفكار، فما كان أسهل من استعادة مفردات الحرب الأهلية ولغتها القائلة إنّ المسؤولية تقع على عاتق الآخر المختلف في الدين أو في السياسة أو في الجغرافيا.
استبعاد دور العوامل الداخلية منع ثورة الأرز من استكمال مهمتها كثورة وأوقف زخمها عند حدود الاحتجاج على عهد الوصاية فاستحقت إسم انتفاضة الاستقلال المظفرة. تعاملوا معها كثورة من غير أن يحمّلوها المهمة الأساسية التي تناط بالثورة، أي تغيير آليات الحكم لا الاكتفاء باستبدال الحاكم.
ثورة واحدة شهدتها بلداننا في ما سمي «الربيع العربي» الذي انطلق مع بوعزيزي في تونس. كل ما كان قبلها انقلابات لاستبدال الحاكم. استحقت إسمها لأنها لم تنفجر لا ضد استعمار ولا ضد احتلال ولا ضد الصهيونية بل ضد أنظمة بلا دساتير أو بدساتير معلقة. وثورة واحدة شهدها لبنان، لا في أحداث 1958 الطائفية ولا في 14 آذار 2005 بل في 17 تشرين الأول 2019، حصرت برنامجها في تغيير آليات النظام وإعادة تكوين السلطة ولم تدرج فيه أي بند يتعلق بتأثير العوامل الخارجية على مسار الأزمة اللبنانية المستدامة.
استلهام الجانب المضيء من 14 آذار، لا استعادته، يتطلب من قياداتها جرأة في قراءة تاريخ الجمهورية اللبنانية، ازدهاراً وحروباً وانتفاضات وثورة، على أن يقوم كل طرف بعملية نقد ذاتي يراجع فيها دوره ويحدد حصته من المسؤولية عما آلت إليه أحوال الوطن.
مثل هذه المراجعة من شأنها إلغاء تصنيف اللبنانيين ملائكة وشياطين، سياديين وعملاء، فلا تنكر لأحد إنجازاً في بناء الوطن ولا تغفل له خطيئة بحق الدولة.
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله