23 نوفمبر، 2024

الجبة سلاح قاتل

20-5-2012

الحرب اللبنانية ، منذ بدايتها ، تعبير عن صراع على المصالح استخدمت فيها كل الأسلحة ، العسكرية والسياسية، وكل الانقسامات الطبقية والدينية والمذهبية والإتنية ، وكل التحالفات والجبهات المحلية والإقليمية والدولية . كل الأطراف ، بما فيها تنظيمات الإسلام السياسي ، اعترفت بوجود السلاح في حوزتها، وبررت لجوءها إلى العنف درءا لخطر ” المؤامرة ” ، إلا المؤسسات الدينية ، فهي لا تعترف بوجود سلاح لديها ولا تعترف بخطورته.  إنه سلاح ” المقدس” يستخدم في ” المدنس ” من أمور الدنيا.

نعم ، الجبة والعمامة سلاح مقدس في حروب التحرير ، كما في الجزائر أو في لاهوت التحرير في أميركا اللاتينية، أما خارجها فهي ليست كذلك ، وعلى رجال الدين أن يناقشوا الأمر بروحية البحث عن حل للمعضلة، لا باستعجال تكفير الأخرين ،على غرار ما كانوا يفعلونه أيام الدولة التيوقراطية، حين كانوا يسوقون الناس بعصا التكفير ، تلك العصا التي طالت فلاسفة وفقهاء كما حصل قديما مع الصوفية وشيخها وجملته الشهيرة : “وما في جبتي إلا الله”، وحديثا مع نصر حامد أبو زيد وآخرين.

على رجال الدين أن يتوقفوا بمسؤولية أمام المقام الرمزي الذي يمثلونه ، لا أن يكرروا النقاش العقيم القديم حول الدين والدولة أو أن يطالبوا بقيام دولة دينية مقابل مطالبة العلمانيين بمنعهم من التدخل في السياسة . إن رجل الدين لا يمثل نفسه  أو حزبه  أو مؤسسته فحسب ، بل هو يحمل ، فضلا عن ذلك ، شحنة من قداسة الدين لا يحظى بها سواه من السياسيين أو العسكريين أو العاملين في الحقل العام. التصريح ذاته حين يصدر عن رجل الدين يكون تأثيره أكبر منه  فيما لو صدر عن سياسي. والخطر يكون مضاعفا إن كان المستهدف أحد رجال الدين.

حين يهدد المفتي أو ينذر مجلس البطاركة أو يرفع الشيخ سبابته ويتوعد ، يتجاوز الكلام شحنته الدلالية ليحرك المشاعر ويثير النفوس ويؤجج الغرائز ، حتى لو كانت خلفية الكلام والموقف نقية صافية .

وجود رجل الدين في واجهة الحدث لا يطفئ الحرائق بل يشعلها . وسعيه الصادق إلى التهدئة يحتاج إلى شجاعة تحول عمله الاستعراضي إلى عطاء كعطاء الجندي المجهول .

تجربة المعممين في حزب الله قد تكون امتدادا للتجربة الإيرانية ، أو ردة فعل على الرهبانية المارونية قبيل الحرب ، لكنها ، أيا تكن الأسباب، أدت إلى بروز دور المعممين من أهل السنة. مآل ذلك  لن يكون سوى المزيد من التوتر في العلاقات بين الطوائف والمذاهب.