16-9-2012
بالقياس إلى عمرها ، لا تعد العونية ظاهرة . هي من مواليد 1988، يوم جاء ميشال عون إلى رئاسة الحكومة كخيار دستوري إلزامي ، يعين بموجبه رئيس للحكومة من الطائفة المارونية إذا ما تعذر انتخاب رئيس للجمهورية. فجأة وجد نفسه في القصر الجمهوري، رئيسا على جمهورية مقطعة الأوصال ، لا يملك مشروعا سياسيا غير التمسك بسلطة طارئة سقطت عليه من غير أن يكون مهيأ لها . بل هو لم يكن جاهزا لغير تلقي الأوامر من السطلة السياسية وتنفيذها بآليات العمل العسكري.
المسؤول السياسي ، حتى لو كان متحدرا من سلك عسكري ، يدير سلطته بآليات العمل السياسي، وهي آليات تعنى بترجمة موازين القوى و” اللعب ” على تناقضاتها . تكون الترجمة ناجحة إذا كان اللاعب يملك قضية . مشكلة ميشال عون الأولى أنه دخل إلى حلبة العمل السياسي من غير قضية ، مستمرئا التربع على كرسي الرئاسة . سرعان ما برزت مشكلته الثانية حين رسم خط التماس مع خصومه وأعدائه ، فقرر أن يكون دونكيشوت زمانه : ضد اتفاق الطائف وضد الذين صاغوه أوشاركوا في صنعه ، وضد سوريا وإسرائيل وأميركا ، وضد القوى السياسية اللبنانية المتنازعة يمينا ويسارا ، وضد المسلمين الذين لم يقبلوا مشاركته في الحكم ، وضد المسيحيين الساعين إلى البحث عن مخرج للأزمة برعاية عربية ودولية. سياسة القضاء على الحلفاء ، أو سياسة الخبط عشواء التي تشبه الجنون ، أو هي ، على أقل تقدير ، سياسية سوريالية لا تعرف ” درج عرج ” من علم السياسة.
هذه السياسة جمعت حوله المنزعجين من استمرار الحرب ، والمنزعجين من الدور العربي الذي أوكل إلى سوريا رعاية الحل العربي لأزمة لبنان ، لذلك وجد “المنزعجون ” من يدغدغ مشاعرهم فتحلقوا حوله لا لأنه يمثل حلا بل لأنه يرفض الحلول المطروحة . أغلبية المنزعجين المتحلقين حوله هم ضحايا القوات اللبنانية في سنوات الحرب الأهلية ولا سيما منهم المسيحيون، الذين شكلوا، بفعل انتمائهم هذا، ضغطا معنويا على حركته وفرضوا عليه التراجع من علمانية ظاهرية إلى منافس طائفي على الزعامة المسيحية . فأضافوا ، بذلك ، على غياب القضية ضيق أفق وقصر نظر سياسيين ، فضلا عن استخدامه لغة لا تليق بمحترفي السياسة أو بأبناء البيوت أو بخريجي العمل العام .
بهذا المعنى ، لم ترق العونية إلى ظاهرة ، بل ظلت بمثابة ردة فعل شعبوية صادقة على الحرب الأهلية ورموزها ، وعلق اللبنانيون آمالهم على احتمالات الخروج من نفق التقاتل الطائفي من خلال التفافهم حول الجيش وقيادته كرمز للوحدة الوطنية وسيادة القانون.
غير أن ” القشة التي قصمت ظهر البعير” تمثلت بالسلوك الذي أفرغ العونية من مضمونها “الدونكيشوتي” ، بما هو، في جانب منه، مضمون وطني لأنه يدعي الحفاظ على السيادة أو يسعى إليها ، ويضع نفسه في مواجهة كل المعتدين عليها من القوى الخارجية والداخلية. إنه السلوك الذي حرف مسار ردة الفعل تلك وحول مسارها من مواجهة محقة مع صانعي الحرب الأهلية إلى معارك الدفاع عن أشخاص ومصالح شخصية. سلوك الخبط عشواء ذاته الذي أذعن ، في نهاية الأمر ، للتوازنات الداخلية والإقليمية ، فتخلى عن خياره الوطني وانحاز إلى معسكر العدوان على السيادة وانغمس في سياسة استدراج الخارج ضد أبناء الوطن.
العونية طفرة . بل هي أقصر الطفرات عمرا.
مقالات ذات صلة
تعديلات على بيان بعبدا
صقر شريك في الخطيئة
تعديل على الاستقلال المقبل