7-10-2012
البارحة فيلم تركي عن يسوع المسيح ، وقبله فيلم يهودي أميركي عن النبي محمد .فيلمان للإثارة لا للفن ولا للتاريخ .
من أكثر من قرنين لم تعد هذه القضايا تثير أحدا في الغرب ، بعد أن قامت ثورة مسيحية من داخل المسيحية ، ضد كنيسة روما ، قادها مصلح مسيحي إسمه لوثر وصار له أتباع في كل مكان ، وتوحدت أنكلترا الجديدة التي أصبح إسمها الولايات المتحدة الأميركية تحت خيمته الإصلاحية .
في الشرق ظهر جمال الدين الأفغاني وحاول أن يكون بمثابة لوثر لكنه مات مسموما في الآستانة ، اسطنبول ، حيث تمت ، حديثا ، صناعة الفيلم عن المسيح، ولم يتح له حكام ذلك الزمان أن يكون له أتباع ، وتم التراجع عن أفكاره جيلا بعد جيلا لينتصر الجمود العقائدي والتعصب السلفي .
لم تتعلم الأصوليات الإسلامية من دروس التاريخ شيئا . ولذلك فهي ما زالت تعاند التاريخ وتقرأه بالمقلوب. أما الأصوليات المسيحية فهي تتلطى وراء مثيلتها الإسلامية لتدافع عن قضية يظن البعض أن الزمن عفا عليها ، غير أن الحقيقة المخفية خلف ردود الفعل الإسلامية والمسيحية على الفيلمين تبين أن المقدس في نظر حراس المعابد والمساجد ليس الدين بل الحراس أنفسهم . وما يجري ظاهريا وكأنه دفاع عن الدين ليس سوى تمويه للدفاع عن رجال الدين.
رجال الدين يتلطون وراء الأنبياء والرسل ليدافعوا عن المدنس لا عن المقدس . إنهم يدافعون عن امتيازاتهم التي لا يمكن أن يحصلوا عليها بعيدا عن لبوس الدين .
آخر بدع القمم الروحية في لبنان مطالبة البرلمان بسن تشريع يحرم المس بالمقدسات ، ولا سيما بالأنبياء والرسل . ربما لا يعرف أهل القمم أن دساتير الدول الحديثة لا تحرم المس بالمقدس الديني وحده بل بالمقدس الدنيوي أيضا . أو ربما لأن المقدس عندها محصور في الدين وحده ، أو ربما لأن انتهاك كل الآداب واللياقات والقيم الأخلاقية في لغة الحوار السياسي السائدة في لبنان مهد لانتزاع شرعية عملية في كل وسائل الإعلام . إذا صح هذا الاحتمال يكون مطلب القمة الروحية بمثابة موافقة ضمنية على المس بالكرامات إذا كانت تخص المواطنين ، وعدم موافقة عليها إذا طالت الأنبياء والرسل.
أيا يكن الاحتمال ، فمن المؤكد أن مطلب القمة الروحية ، وهو مطلب حق ، هو اعتداء صريح على الدستور وعلى دولة القانون والمؤسسات . هو اعتداء لأنه ينطوي على عدم اعتراف بعدالة الدساتير الوضعية ، ويشير إلى حنين دفين إلى عصر التشريعات الكنسية أو الصادرة بمباركة الكنيسة الاسلامية أو المسيحية.
أيا تكن الاحتمالات ، فالمدافعون عن قداسة القديسين يجهلون أو يتجاهلون أن الأنبياء والرسل إنما هم بشر قبل كل شيء ، وأن احترامهم واجب على المؤمن وعلى غير المؤمن ، وأن الإساءة إليهم ، كما كل إساءة ، مما يعاقب عليه القانون . وربما يجهلون أو يتجاهلون أن نقدهم ، بصفتهم بشرا ، ونقد الدين عموما والفكر الديني ، حق نصت عليه كل الدساتير .
مقالات ذات صلة
تعديلات على بيان بعبدا
صقر شريك في الخطيئة
تعديل على الاستقلال المقبل