23-4-2012
حبيبتي الدولة
سمي الأوتوبيس ، في أيامه ، “جحش الدولة “. ربما لكثرة ما يتحمَل من أثقال . قد تكون التسمية في محلها وقد لا تكون ، ليس هذا هو المهم ، بل موقع الدولة لغويا من الكلمة التي تسبقها. الدولة ، بالإعراب النحوي ، مضاف إليه. وهي تضاف إلى كلام كثير، لا إلى الجحش وحده. يقولون مثلا ، كهربا الدولة ، تلفون الدولة ، خزينة الدولة ، مالية الدولة . كل ذلك يصح لغويا . أما الذي لا يصح فهو كلام نسمعه من سياسيين يستخدمون اللفظة في غير محلها اللغوي والسياسي.
إجماع سياسي على العنوان ، على أن الدولة هي الحل ، ثم يختلفون على التفاصيل ، فيكتشف المرء أن ذلك يعود إلى أن لكل واحد معياره في بناء الدولة.
انفجرت الحرب الأهلية عام 1975 ، وكان السبب ، في نظر أحزاب الجبهة اللبنانية ، إقامة الفلسطينيين، بمساعدة اليسار، دولة داخل الدولة. واليسار حمل السلاح ليحطم الدولة الطائفية ويبني على أنقاضها دولة يسارية قومية علمانية. حركة أمل واجهت الفلسطينيين بالسلاح من أجل عودة الشرعية ، شرعية الدولة. القوى المنضوية في 14آذار تريد حلا تحت سقف الدولة ، حزب الله يطلب قيام الدولة القوية العادلة ليسلمها سلاحه، ولن يسلمه لسواها. التيار الوطني الحر لا يرى حلا إلا بدولة خالية من الفساد ( ومن بيت الحريري والسنة ومرشحي الموارنة للرئاسة الأولى). تيار المستقبل يريد دولة تناصر الربيع العربي وتنزع السلاح غير الشرعي. ما تبقى من أحزاب “فراطة” لا تعرف “كوعها من بوعها”، وهي غارقة في سباتها .
طالما أن الكل مجمع على قيام الدولة ، فلماذا لا تقوم؟ لأن لكل معياره ولا يصح سواه. أنا أو لاأحد: دولة الاشتراكية ، دولة الوحدة العربية ، دولة الوطن القومي المسيحي ، دولة ولاية الفقيه ، الدولة القوية القادرة ( قادرة على من؟ ) ، الدولة العادلة ، الدولة العلمانية ، الدولة التعددية، الخ.
كل هذه الوصفات والصفات قد تكون الأفضل والأشرف والأنبل من بين الصفات الحسنى، لكنها كلها لا تفيد بناء الدولة في شيء. الدولة التي عرفتها الحضارة الحديثة ولفظتها سلطاتنا المستبدة تحمل إسما واحدا : إنها دولة الحق ، وبعضهم يترجم الكلمة عن الأجنبية بدولة القانون.
أول شرط ينبغي توفره في المتحدثين عن الدولة هو أن يعرفوا معنى القانون. يسقط في الامتحان لا الشتامون فحسب ، بل كل الذين يرفعون سباباتهم بالتهديد والوعيد والصراخ ، لأنهم ينتهكون القانون ، لا الوضعي فحسب بل والأخلاقي أيضا ، ويخرجون على آداب الحوار ، وعلى اللياقات المطلوبة في رجل الدولة.
ويسقط في الامتحان من لا يعرف معنى الحق . فالدولة الحديثة هي دولة حقوق الإنسان الفرد المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي شرعة حقوق الانسان، وأولها الحق في الاختلاف.
يسقط في الامتحان إذن من يلغي الاختلاف ولا يعترف بالآخر ولا يأخذ برأيه. إنه المستبد، والمستبد أنواع .
مستبد في المجتمع المتعدد من تقوم لغته على مصطلحات مذهبية وطائفية ومناطقية وفئوية. إذن ، من ينجح في الامتحان؟ كل القوى السياسية اللبنانية تسقط في امتحان الدولة ، وكل كلام عن الدولة يصدر عنها إنما هو بمثابة ذر الرماد في العيون. الحد الأدنى من الجدية يتطلب منهم البدء بحوار منتج ، لا حول القضايا العالمية والإقليمية والدولية ، بل حول مسألة داخلية أساسية : قانون للانتخاب يجدد النخب السياسية . لكن ! لا أحد يرضى بأن يلغي نفسه، وفاقد الشيء لا يعطيه.
مع ذلك ، ستقوم الدولة ، دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص . فالناجحون في امتحان الدولة هم الأفضل كما ونوعا ، وهم الموجودون في كل المناطق والطوائف . دولتهم المرتجاة هي الدولة المدنية : فيا أنصار الدولة المدنية توحدوا!
مقالات ذات صلة
تعديلات على بيان بعبدا
صقر شريك في الخطيئة
تعديل على الاستقلال المقبل