4 شباط 2020
تقرأ مشروع البيان الوزاري فتعجب بأسلوبه إعجابك بكاتبه. كاتب النص هو، من غير شك، الوزير دميانوس قطار، ويتأكد لك أن البيان أصيب بما أصيب به كاتبه. نص جميل الصياغة والسبك والتسلسل والصدق، تمّ توزيعه على الوزراء فأوصلوه إلى مراجعهم السياسية، ليخضع لأخذ ورد و”مرجحة”، فعاد بتعديلات طفيفة في ظاهرها، وبالغة الدلالة في مضمونها. بالطريقة ذاتها عومل كاتب النص. بقي الوزير قطار وزيراً لكن المحاصصات تقاذفته من الخارجية إلى الاقتصاد وانتهى به الأمر وزيراً للبيئة. وهكذا هو بيانه.
من نص يحاكي أهل الحكم في مقدمته مصارحاً إياهم بعمق أزمة لا تنفع المكابرة في التعاطي معها، من غير الأخذ في الاعتبار رأي الناس الذين “يشككون بشرعيتنا جميعاً أو هم في أضعف الإيمان منقسمون حول هذه الشرعية”، إلى مشروع بيان يغفل موقف الناس ومطلبهم الأساس المتمثل بإعادة تشكيل السلطة لأنها سلطة مشكوك بشرعيتها.
من الطبيعي ألا يكون البيان ترجمة حرفية لمطالب الثورة، لكن أن يتحايل على هذه المطالب ليلغيها فهو أمر يتناقض مع أريحية واضحة في مقدمة البيان، ترى أن “استعادة الثقة مسار طويل يتطلب مصارحة الناس بالحقيقة ويحتاج إلى إنجازات ملموسة”.
البند الوحيد الذي يستجيب لجدولة برنامج الثورة في البيان الوزاري هو “إنجاز القوانين المتعلقة باستقلالية القضاء”. لكنه بند مؤجل من غير مبرر. أفلَم يستمع أصحاب السعادة إلى آراء الحقوقيين وبيانات نادي القضاة وتصريحات السادة النواب، وهي كلها تؤكد على أن الأزمة ليست في صياغة النصوص القانونية بل في عدم تطبيقها، وأن القضاء يصير سلطة من بين ثلاث في الأنظمة الدستورية والديموقراطية، بمجرد رفع يد السياسيين عنه؟ فلماذا المئة يوم طالما أن الدستور يقر بهذه الاستقلالية؟
بعد هذا البند يطوف البيان في إصلاحات تتمرحل على مدى عام كامل، وتتعلق بقضايا ذات طابع اجتماعي وثقافي مثل”حقوق المرأة وحماية الأبنية الأثرية والمواقع التراثية”، وخلط “عباس بدباس” فجال على “السجون وقصور العدل والفئات المهمشة وتسريع المحاكمات وتعزيز مناخات الاستثمار”، ووضعها كلها في بند واحد. وكي يتم “النقل بالزعرور” انتقل إلى محاربة الفساد وأعطى نفسه مهلة عام ليستعيد الأموال المنهوبة، مغفلاً كل المبادرات الفردية التي قام بها لبنانيون مقيمون في الخارج، مستندين إلى علاقاتهم بمسؤولين سياسيين وماليين ومصرفيين في سويسرا وفي بلدان المجموعة الأوروبية، وبات الأمر لا يحتاج إلى غير قرار من الحكومة.
إذا كانت هذه القضايا تحتاج إلى مهل طويلة، لأن الحكومة ميالة إلى التأجيل، فإن حل الأزمة المالية النقدية الاقتصادية، يحتاج إلى مهلة، من غير قرار حكومي، وهو ما أسهب البيان بتفصيله. يحق لنا أن نتساءل، ماذا لو تمكن لبنان بقدرة قادر أو من إيرادات النفط والغاز أو بإعفاء الدولة من ديونها أو بهبات وتبرعات تعيد الملاءة المصرفية وتوفر السيولة، الخ… أن يحل أزمته المالية هذه، فما الذي يضمن عدم وقوعه في أزمة جديدة أكثر خطراً من الحالية، في ظل استمرار نهج السلطة في إدارة شؤون البلاد؟ من المؤسف أن البيان يؤجل إعادة تشكيل السلطة ثلاث سنوات، باستدراكه، في آخر نص البيان، بجملة يقول فيها “أخيراً وليس آخراً ستعمل الحكومة على إعداد مشروع قانون للانتخابات النيابية يعكس تلاقي اللبنانيين واللبنانيات في الساحات ويحاكي تطلعاتهم”.
إذا كانت الحكومة تريد حقاً أن تحاكي تطلعات اللبنانيين واللبنانيات، فإن عليها أن تبدأ بيانها ببنود عن الإصلاح السياسي أولاً وقبل كل شيء، أي بسن قانون انتخاب وإجراء انتخابات مبكرة، حتى لو كلفها ذلك حجب الثقة النيابية عنها.
على أن أسوأ ما في البيان مساومات انعقدت بناء على رغبة القوى الواقفة خلف الحكومة. فلا الكلام عن قضية الإمام موسى الصدر، ولا عن حق “المواطنين والمواطنات في المقاومة” ولا الكلام عن المحكمة الدولية بلغة “التسييس والانتقام”، ولا عن النازحين السوريين، يمكن أن يخفى على أي قارئ حذق. إن هو إلا تعبير عن لغة المحاصصة التي، إن انفجرت ثورة اللبنانيين ضد شيء فضد تقاسم الوطن وخيراته المادية والبشرية والدولة وإداراتها، بما أدى إلى تدمير الوطن بيئة ودولة وثقافة وقيماً أخلاقية.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان