22 نيسان 2020
ليست المرة الأولى التي يصرخ فيها الاقتصاديون في وجه السلطة. مانشيت “نداء الوطن” قبل أيام، أي في منتصف نيسان العام 2020: المصارف للسلطة: انتو الحرامية. صرخة في وادٍ. آذان السياسيين طرشاء.
قبل ثماني سنوات، في11-6-2012، كتبت في “ليبانون نيوز” مقالة بعنوان، صرختان لا تبنيان وطناً، قلت فيها: “البارحة جمعية المصارف، وقبله غرفة التجارة. صرختان تنبهان إلى وضع اقتصادي خطير وتنذران من انهيار. في الصرختين شكوى من سياسيي لبنان الذين لا يكتفون بإدارة الأزمة إدارة سيئة، بل هم يصبون الزيت على نارها. الصرخة المزدوجة تقع في غير محلها، ذلك أن السياسيين في لبنان لا يمثلون الكتل الاقتصادية والطبقات الاجتماعية، لأنهم يختلسون التمثيل السياسي بالوراثة أو بالتعيين أو بالتشبيح أو باستخدام كل وسائل التضليل الإيديولوجي والتحريض الطائفي والمذهبي، أو بامتطاء صهوة القضايا القومية. رئيس جمعية الصناعيين امتثل لقرار كتلته السياسية وصوّت داخل الحكومة خلافاً لقرار جمعيته.
أما آن أن يكمل أصحاب الرساميل مشوار الشجاعة، الذي بدأ بصرخة أو صرختين، ليدخلوا إلى حقل السياسة ويشرفوا بأنفسهم على حل الأزمة الاقتصادية، ويزيحوا مغتصبي التمثيل السياسي عن مركز القرار وأن يكفوا عن مناشدتهم، لأنهم هم سبب الأزمة، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه؟ رأس المال جبان، فهل يكون الرأسماليون شجعاناً ؟ أليس عليهم أن يبحثوا عن ربيعهم اللبناني؟”.
في 14-6-2013 قلنا لهم يا أهل الاقتصاد، لا تشجعوا الشبيحة على تدمير الوطن وإلغاء الدولة. سيدق الربيع أبوابكم، فلا توصدوا الأبواب. في 14-11-2015 قلنا لهم: “إن البرجوازية اعتادت على التخلي عن دورها، لصالح الاقطاع السياسي في جمهورية الاستقلال، ولصالح الوصاية والميليشيات في جمهورية الطائف، فهي إما خائفة من أن تمسك بمقاليد السلطة بنفسها، أو متواطئة مع الميليشيات على المحاصصة ونهب المال العام.
علاقة الاقتصاديين بالمجتمع المدني ليست أفضل حالاً. العصب اليساري في الثورة يصوّب على”حيتان المال” والطغمة المالية، ورأس المال المتوحش، وعلى وسط المدينة و”سوليدير” فيدفع البرجوازية إلى الارتماء في حضن سلطة لا تمثل مصالح البرجوازية ولا مصالح الطبقات الشعبية، فيما يتطلب الوضع اللبناني أن تكون المصارف وما تمثل على رأس الثورة للإطاحة بنظام المافيا الميليشيوي. لكن الاقتصاديين كالسياسيين لا يسمعون.
لست أقصد بالتسمية لا ذماً ولا مدحاً بل لأقدم الدليل على ما أقول. الاقتصادي نقولا شماس المتفوق في دراسته وفي مجال عمله، عندما قرر الانخراط في العمل السياسي انضوى تحت مظلة “التيار الوطني”، وحذا حذوه المهندس أسعد نكد، الوحيد في لبنان الذي أوجد حلاً لمشكلة الكهرباء، فارتمى في أحضان من بسببه تفاقمت أزمة الكهرباء، ومثله فعل الصناعي اللامع نعمة أفرام الذي استدرك بعد انفجار الثورة. أحمد عجمي دفع مليون دولار ثمن نجاحه ضمن لائحة “التنمية والتحرير” في الجنوب في انتخابات 1992، ثم مليوناً آخر جزاء خروجه من اللائحة في دورة 1996، ومثله يفعل متمولون، ولا سيما بين المغتربين، حين يدفعون ما يشبه الخوات للشيعية السياسية. والأمثلة لا تحصى، إذ ما من مصرفي أو تاجر أو مغترب متمول تجرأ على دخول حلبة السياسة إلا من باب الزعامات التقليدية أو الميليشيوية.
المصارف مسؤولة عن جبنها وغبائها ومسؤولة أيضاً عن أرباح غير مشروعة على حساب المودعين، وستدفع الثمن لتحمي نفسها وتحمي النظام المالي. أما العقوبة الجنائية فينبغي ألا تتحملها إلا سلطة المحاصصة والمافيا الميليشيوية.
مقالات ذات صلة
طوفان عيوب في حرب الإسناد
حزب الله كمقاومة وحزب الله كحركة تحرر وطني
هل الصمت الدولي مشروع ومبرر؟