29 مارس، 2024

لكن الثورة غير موافقة!

16 نوار 2020

قبل الثورة، ظلت قضية التنسيق مع النظام السوري مادة يستخدمها فريق الممانعة، تحت شعار شكراً سوريا، للضغط على خصومه. أذعن فريق الرابع عشر من آذار مرة واحدة، حين أرغمت السعودية ابن الشهيد رفيق الحريري على زيارة دمشق. فريق الممانعة مارس الضغط لتبييض صفحة النظام السوري بعد خروج جيشه مذلولاً من لبنان، فيما أصر الفريق الآخر على رفضه إعادة المياه إلى مجاريها.

بعد الثورة لم تعد هذه القضية همّاً يخص فريقي آذار وحدهما، لا لتبرئة النظام من دم الحريري ولا لإثبات التهمة عليه، فذلك أمر في عهدة المحكمة الدولية. بل صارت بنداً في برنامج الثورة للمحاسبة عن مسؤوليات المرحلة السابقة. صحيح أن المحاسبة الجنائية متروكة للقضاء، أما المحاسبة السياسية فقد طالبت الثورة بأن يخضع لها كل من شارك في إدارة الشأن العام خلال حكم الوصاية وبعده، بمن في ذلك فريقا الرابع عشر والثامن من آذار.

بهذا المعنى، لا يحق لـ”حزب الله” أن يملي على الشعب اللبناني رغبته المكررة بضرورة التنسيق مع النظام السوري من أجل حل مشاكل الحدود، لأن مثل هذه المشاكل لا تعالج، في ظل نظام “الأسد إلى الأبد” إلا تحت سقف القانون الدولي. كما لا يحق للحزب الشيوعي ولـ”حزب الله” أن يعترضا على ترسيم الحدود بين الدولتين ولا على إقفال المعابر غير الشرعية وبالتالي منع عمليات التهريب، الأول تبريراً للتحالف في مواجهة الأمبريالية الأميركية، والثاني لتأمين موطئ قدم لإيران على ساحل المتوسط. ومن باب أولى، لا يحق لمن اعتاشوا على فتات النفوذ السوري واقتاتوا من مائدته أن يسخّروا أنفسهم في خدمة نظام يتحمل المسؤولية الأكبر عن تخريب الدولة اللبنانية ومؤسساتها.

مَن درّب الطبقة السياسية على فنون نهب المال العام؟ نظام الوصاية هو الذي فرض منذ اليوم الأول أن يكون وزراء الطاقة من فريقه، واستمروا منذ إيلي حبيقة حتى جبران باسيل وأدواته. وهو الذي منع إنشاء معامل كهرباء على الغاز. وفي أيامه أحكمت أحزاب السلطة الاستيلاء على تجارة المشتقات النفطية بعد إقفال مصفاتي طرابلس والزهراني، فبدأت استيراداً من سوريا وانتهت تهريباً إليها. وهو الذي علّم أتباعه فرض الخوات على المتمولين والمصارف وكبار الملاكين.

من درّب الطبقة السياسية على انتهاك الدستور والقوانين وتعميم شريعة المخابرات وإلغاء المؤسسات الدستورية؟ بدأ ذلك من بدعة الترويكا، ومن تطويع المجلس النيابي وإرهاب السلطة القضائية وتخريب الإدارة وإلغاء مؤسسات الرقابة. وهو الذي استبدل الكفاءة بالاستزلام، حتى غدا ذلك، بعد خروج الجيش السوري، من التقاليد المتبعة في تعيين المحاسيب وزراء ونواباً وموظفين في القطاع العام. من ألغى الديموقراطية وشرع التعيين بدل الانتخاب في رئاسة الجمهورية والمجلس النيابي؟ أول تعديل على الطائف بزيادة عدد أعضاء البرلمان وتعيينهم ثم بتعديل قانون الانتخاب وتسمية أعضاء اللوائح، ثم بتدريب اللبنانيين على التملص من تطبيق اتفاق الطائف، تقرر في مكاتب أجهزة المخابرات.

لقد باتت الثورة لاعباً أساسياً. وهي لا ترضى بأن يكون تطبيع العلاقات مع النظام السوري من البديهيات، ولا سيما أنها طرحت على النقاش كل ملفات الماضي ومن بينها ملف طلب التدخل السوري وتوفير التغطية المحلية له ومساعدته في تقويض مقومات الدولة اللبنانية.

https://www.nidaalwatan.com/article/21116