21 نوفمبر، 2024

الاستقلال في زمن الثورةإستقلال الثورة اللبنانية

22 تشرين الثاني 2019

رأى فيه بعض اللبنانيين استقلالاً عن السلطنة وبعضهم الآخر استقلالاً عن فرنسا. لكن الحاكم ظل مشدوداً بالحنين إلى التبعية. مع الجيل الثاني تحول الحنين إلى سعي حثيث وبحث عن مربط خيل خارجي، وتوزع اللبنانيون بين الأم الحنون والحضن العربي والعمق الإسلامي والحلم الاشتراكي، توزعاً أفضى إلى إجماع دولي وعربي على تأمين عدة الحرب الأهلية، تمويلاً وتسليحاً، لتدمير أول تجربة ديموقراطية في المشرق العربي، وكانت أحزاب لبنان جاهزة لتنفيذ المهمة.

داخل الحدود التي رسمتها اتفاقية “سايكس بيكو” ورأى فيها البعض حدوداً “مصطنعة” لكيان “مفتعل”، تخرّج عباقرة وانتشروا في أربع أرجاء الأرض، علماء وفنانين وأدباء وتجاراً ورجال أعمال، وأثبتوا أن “المصطنع” الوحيد هو معاكسة الزمن والمضي خلافاً لاتجاه التاريخ ولمجرى الحضارة الحديثة.

إعلان لبنان الكبير تضمّن رغبة في الدخول إلى رحاب العصر من باب الوطن. سألنا مع الشاعر، من أين ندخل في الوطن؟ الأجيال السابقة حاولت الدخول من باب القضايا القومية والأممية أو من باب الصراعات الطائفية والمذهبية أو الطبقية. جيل الحرب الأهلية رسم في الأحلام حدوداً جديدة للوطن، وتفاجأ في نهاية المغامرة أن الرياح مضت لا بما تشتهي سفنه، بل بما جعل الحدود مشرّعة أمام جراد الاستبداد المخابراتي ثم الميليشيوي الذي قضى على الأخضر واليابس في واحة الديموقراطية والتقاليد الدستورية على تخوم السجن العربي الكبير.

جيل الثورة، جيل السابع عشر من تشرين، هو وحده الذي اقتنع وأقنع العالم كله بأن الحدود الجغرافية للبنان ليست تلك المرسومة في سرديات تاريخ الولايات العثمانية، ولا تلك المتوهمة في مشاريع العروبة والاشتراكية والدول الدينية والجمهوريات الوراثية والسلالات الأبدية، بل هي تلك التي نشأت، بالضبط، مع إعلان لبنان الكبير، لا قبله مع ولاة السلطنة ولا بعده مع الولاة الأتباع.

وحده جيل الثورة، من الناقورة إلى النهر الكبير ومن شاطئ البحر حتى سلسلة الجبال الشرقية، احتل الشوارع والساحات في المدن والقرى، ورفع علماً واحداً هو العلم الوطني وأنشد نشيداً واحداً هوالنشيد الوطني، وطالب بالانتقال من الشراكة إلى الوحدة الوطنية، إلى بناء وطن يحمي حق الاختلاف ويصون كل أشكال التنوع والتعدد، وطالب بإعادة بناء الدولة خالية من فساد المفسدين ومحاصصة المحاصصين واستبداد الميليشيات العسكرية والسياسية. دولة هي دولة الحق والقانون والمؤسسات والفصل بين السلطات وتداول السلطة والقضاء المستقل والحريات والديموقراطية، دولة الكفاءة وتكافؤ الفرص.

نعم. إنها الثورة. وهي وحدها التي تبني الاستقلال الحقيقي للوطن وتعلن ولادته الجديدة.

https://www.nidaalwatan.com/article/9615