27 حزيران 2020
طرح شكيب إرسلان سؤاله الذكي؛ لماذا تقدّم الغرب وتخلّف الشرق، فجاءته الإجابة الأولى من الاسلام السياسي، والثانية من ستالين، والثالثة من ولاية الفقيه. اتّفق الثلاثة، بالرغم من خلافاتهم الكبرى، على حلّ ذي سمات واحدة يُمكن أن نُسمّيه الشرنقة، وهو يُشبه جدار الفصل العنصري في فلسطين، أو جدار ترامب مع المكسيك، أو حلّ النعامة حين تدفن رأسها في الرمل، لأن الثلاثة قرّروا نمطاً واحداً من العيش، بعيداً من المخلوق الجديد الذي كان سُمّي غرباً بلغة الاسلام السياسي، ثم إمبريالية بلغة لينين، وماو تسي تونغ ثم شيطاناً أكبر باللغة الخمينية.
الكلام اللبناني عن التوجّه شرقاً لمنع الإنهيار المالي والنقدي والسياسي مُتحدّر من سلالة الحلول التي رفضت أن تسمّي الحضارة الجديدة باسمها، واختارت لها من الأسماء ما يُثير الهلع في العقول الجاهلة. صوّرها بعضهم نِتاجاً مسيحياً لتخويف المسلمين، ولم يروا منها غير الوجه الإستعماري ليستنهضوا ضدّها هِمم الشعوب، ويرفعوا في وجهها شعارات التحرّر، ونعتوها بالمادية لتحلّ عليها لعنة الشرق الروحاني، وليعزفوا على وتر الإعتقاد القائل بأن الغرب غرب صليبي، والشرق مهد الأديان، ولا يلتقيان.
الشرق في لغتهم لا يحمل دلالة جغرافية. لا اليابان ولا كوريا ولا الهند ولا ماليزيا من الشرق. ولا يدخُل في حساباتهم أي احتمال للتعاون مع هذه البلدان للحؤول دون الإنهيار. كان يُمكن لهم أن يتعلّموا من الشرق، من اليابانيين الذين تمكّنوا بين عامي 1856 و1896، من القضاء على الأمّية في بلادهم. ومن ماليزيا التي بدأت خطّتها إنقاذاً لإقتصادها من الإنهيار، بزجّ اللصوص في السجون واستعادة الأموال المنهوبة منهم. من كوريا الجنوبية التي تحوّلت بغمضة عين إلى واحدة من نمور الشرق. من الهند التي تضمّ أكبر تنوّع لغوي وإتني وديني في العالم، وانتخبت لحظة انهيار الشيوعية شيوعياً شيعياً لرئاسة الجمهورية.
هذه الدول ليست في نظرهم من الشرق، فيما يحسبون فنزويلا بلداً شرقياً لأنها تُشبههم، ومن العجب أنهم سهوا عن إسم الصومال. مُنقذ ماليزيا مسلم، ولصّها وناهب المال العام فيها مسلم، ونصف سكّانها هنود وصينيون وبوذيون. من منّا يعرف إلى أي ديانة ينتمي أمبراطور اليابان أو رئيس وزرائها؟ المسألة لا علاقة لها بالدين. بل بالعقل، بطريقة التفكير. حكّامنا آتون من زمن آخر، لُغتهم ليست لغة شعبهم، وهمومهم ليست همُومه، ولا مبالغة في القول إنهم يُخطّطون للإنهيار بدل منعه، ويُشعلون نار الفتنة بدل درئها.
وجه الشبه السياسي مع ما يحسبونه الشرق هو الإستبداد، أما الإقتصاد فليس حرّاً ولا موجّهاً بل هجينا تُديره المافيا أو الجيش أو الحزب، تُضاف إليها الميليشيات في لبنان، فكيف يُمكن أن يكون حرّاً؟ وحين تكون السياسة استبداداً، والإقتصاد مافياوياً، يُصبح من الطبيعي أن تمتلِئ السجون وتفرغ المدارس وتُقفل الجامعات. ومن الطبيعي أن تُنهب خزينة الدولة ويجوع الشعب، أن يُنتهك الدستور والقوانين وتخضع البلاد لما يُشبه الأحكام العرفية.
كأنّهم خارجون للتوّ من الكهوف، ويعملون على إخراج بلادهم من التاريخ. لكن الثورة لن تسمح لهم بإخراج الوطن، لا من التاريخ ولا من الجغرافيا.
مقالات ذات صلة
طوفان عيوب في حرب الإسناد
حزب الله كمقاومة وحزب الله كحركة تحرر وطني
هل الصمت الدولي مشروع ومبرر؟