29 مارس، 2024

بين “13 نيسان” و”14 آذار”

17 نيسان 2020

https://www.nidaalwatan.com/article/19065

مع أن انقسام آذار 2005 بين مؤيد لسوريا ومعارض لها يختلف عن انقسام نيسان 1975 بين مؤيد للثورة الفلسطينية ومعارض لها، إلا أنهما تشكلا من القوى ذاتها التي شاركت في الحرب الأهلية، مع إعادة فرز وضم.

بعد مرور نحو نصف قرن، إن سألت أياً منهم عن بوسطة عين الرمانة وما تلاها، لن تسمع منه غير الرواية ذاتها. لماذا حملت الحركة الوطنية السلاح؟ دفاعاً عن عروبة لبنان ووحدته وعن المقاومة الفلسطينية، والحجة أن لبنانيين آخرين يضمرون شراً بالعروبة والوحدة والمقاومة. ولماذا حملت أحزاب الجبهة اللبنانية السلاح؟ دفاعاً عن السيادة اللبنانية وطرد الغرباء، ومن بينهم بعض أبناء الوطن المحسوبين غرباء. لكن الجميع، من حملة السلاح الناري أو السلاح الأبيض أو من غير سلاح كالتجمع الإسلامي، لم يقصّر في استدراج الخارج وفي انتهاك السيادة.

انفجرت الحرب حرصاً على وطنٍ عمره خمسة آلاف عام، في نظر البعض، أو على وطن عدّه البعض الآخر مولوداً غير شرعي وكياناً مصطنعاً فبركته سايكس بيكو. وعندما توقفت الحرب سلموا أسلحتهم للدولة لكنهم ظلوا، كل منهم على سلاحه، متأهبين بكامل الجهوزية للمنازلة.

من هنا تبدأ الأزمة. من غياب مفهوم موحد للوطن. الوطن أرض وشعب وسيادة. والسيادة هي للقانون، ولا تكون سيادة من دون الدولة. والميليشيات المتقاتلة هي بالتعريف ضد الدولة لأنها ضد القانون. هذا هو المأزق. مبارزة وتراشق بالعمالة مع اشتباكات مسلحة أو كلامية. الحرب الأهلية هي وسيلة الميليشيات لتدمير الدولة ومؤسساتها.

توقفت الحرب افتراضياً وكُلفت الميليشيات بصنع السلام، فانحدر الصراع أيام سلمهم الافتراضي من مستواه الطائفي إلى حضيضه المذهبي، وتعطلت اللغة الوطنية وألغيت مفردات الدستور والقانون وسادت لغة المحاصصة.

انتفاضة 14 آذار فشلت لأن قيادتها اعتقدت وأقنعت جمهورها بعدم وجود سبب داخلي للأزمة، وبتوليفة بين مقولة حرب الآخرين “الغرباء” ومنطق حركات التحرر، فحصرت نتائج الانتصار بإخراج “السوريين الغرباء”. نتيجة ذلك أنقذ النظام الأمني من الهزيمة باتفاق رباعي تحاصصت فيه الميليشيات ثمار الانتفاضة على حساب الدولة، ومنعت الانتفاضة من أن تكون باكورة للربيع العربي ومن أن تتحول إلى ثورة ضد الاستبداد.

جمهور “14 آذار” هذا انبعث كطائر الفينيق في “17 تشرين الأول”، واستعاد صورة ساحة الشهداء مزينة بالعلم الوطني ونزل إلى الساحات معلناً الثورة على انقسامات نيسان وآذار وعلى قياداته، التي انخدعت وخدعته في يوم الوداع الكبير لشهيد النظام الأمني، شهيد لبنان رفيق الحريري. نزل بعلم واحد وبرنامج واحد وبصوت واحد: كل القيادات السابقة، بما فيها قياداته، مسؤولة عن الانهيار، والكل تحت المحاسبة، على معايير الدولة لا على معايير الميليشيات.

بعد “17 تشرين” لم يعد يحق لأحد أن ينزه نفسه عن أخطاء ارتكبت بحق الوطن. لم يعد يحق التغني بالمقاومات على أنواعها، إذا كانت المقاومة تقاتل محتلاً وتناصر محتلاً آخر. ولا يحق لأحد أن يمثل دور الضحية وفي سجله الدموي آلاف الضحايا. ولا يحق لأي طرف شارك في الحرب أن يشارك في الحل إلا بعد تلاوة فعل الندامة أمام الشعب اللبناني على دوره في الحرب الأهلية. ولا يحق لأي حزب ميليشيوي أن يقدم نفسه منقذاً لأن المطلوب ليس إنقاذ الميليشيات بل إنقاذ الوطن من الميليشيات.

العقل الميليشيوي يدير شؤون نظام برلماني ديموقراطي. من التشبيح إلى التشريع! مفارقة ومأزق وطني. والحل؟ الحل ابتكرته ثورة “17 تشرين”. تتوارى القيادات الحزبية خلف المحازبين الموافقين على شعار “كلّن” إقراراً بفشلها في إدارة شؤون الوطن، بانتظار أن تفرز الثورة برامج وقيادات حزبية جديدة وتعيد بناء السلطة والدولة والوطن.