22 نوفمبر، 2024

رئيس توافقي أم تعطيل توافقي؟

29 تشرين الأول 2022

https://www.nidaalwatan.com/article/118976

يبدو العنوان قاسياً بحق المعارضة. غير أن النقد الذاتي لا يشفي إن لم يكن موجعاً. فالمعارضة البرلمانية بكل أطيافها، بمن فيهم التغييريون، وغير البرلمانية المسكونة بهاجس تحرير لبنان من «الاحتلال الإيراني»، تعلم علم اليقين أنّ مرشحها للرئاسة، أياً يكن أصله وفصله وبرنامجه، لن يكون مقبولاً من جبهة الممانعة، وأن التحالف الحاكم بقيادة «حزب الله»، مستعد لكل الاحتمالات، ولا سيما منها تمديد الشغور إلى «أقرب الأجلين».

ويعلم «حزب الله» علم اليقين أيضاً أنه غير قادر لا على إرغام خصومه على توقيع عقد جديد في الدوحة ولا في جنيف، ولا على تكرار فرض الرئيس الذي يختاره لأنه لن يجد من يذعن له وينصاع لمشيئته على غرار ما حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة. ويعلم الطرفان، المعارضة والممانعة، أن أياً منهما لن يتمكن من تأمين نصاب الثلثين في جلسة الانتخاب الأولى.

رئيس البرلمان يتربع وحده سعيداً على عرش المؤسسة، الوحيدة من بين مؤسسات الدولة، التي لن تفقد شرعيتها لا بعد الشغور الرئاسي، ولا بعد أن يتحوّل الصراع على شرعية الحكومة وميثاقيتها إلى قضية دستورية يعبث بها المستشارون. وهو يعلم علم اليقين أنّ انتظار التوافق، أي تعطيل انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية، يشبه انتظار النفط من حقل قانا فيما إسرائيل بدأت بضخ الغاز من حقل كاريش. «نطوي الحياة وليل التعطيل يطوينا»(اقتباس معدّل من بحيرة لامارتين).

حاشا أطراف المعارضة أن تُتهم اليوم بالتواطؤ مع خصومها على غرار ما حصل في الاتفاق الرباعي غداة اغتيال رفيق الحريري. غير أنها تتقاطع معهم في نقطة التعطيل لأنها تنطلق في معالجتها من اعتقادين مغلوطين، اعتبار الخارج صاحب القرار الفصل في الشأن الرئاسي، واعتبار المدخل إلى الحل هو نزع السلاح غير الشرعي لا وقف انتهاك الدستور.

الكل يسند تحليله إلى معطيات خارجية. المعارضة تراهن على تفاقم أزمة الملالي، وقوى الممانعة لا تعمل إلا لمصلحة النظامين السوري والإيرني، فتبدو المعارضة في نظرها مجموعة من عملاء السفارات. مصدر الأزمة في نظر المعارضة هو الاحتلال الإيراني، فيما ترى الممانعة أن أميركا والسعودية وراء جوع اللبنانيين وإفقارهم وتشريدهم في أربع أرجاء الكون.

للتذكير، غادر المقاتلون الفلسطينيون إلى تونس؛ تم دحر الاحتلال الإسرائيلي؛ عاد الجيش السوري من حيث أتى. خرج الخارج كله ولم تجد الأزمة حلاً. مع ذلك لم يقتنع سياسيونا الأشاوس بأن جذور أزماتنا كامنة فينا، داخل حدود الوطن، وأن منبعها هو بالضبط ما تقترفه أيدينا، نحن اللبنانيين، بحق السيادة والدولة والدستور، والخارج يلعب دور الإسناد.

استسهل سياسيونا استدراج الخارج واستمرؤوا انتهاك السيادة من الداخل. من «حلف بغداد» إلى «اتفاق القاهرة» إلى اليسار القومي والأممي واليمين الطائفي والحرب الأهلية والمحاصصة وانتهاك الدستور والكبتاغون، كلها جرائم بحق الوطن أبطالها لبنانيون، وهي جرائم لا علاج لها قبل أن يعترف المقترفون بذنوبهم فيدخلوا إلى مطهر النقد الذاتي الجريء، وقبل أن يتوقفوا عن إسداء النصح إلى نواب «الثورة» وتلقينهم دروساً في حب الوطن.

حتى «التغييريون» صدّقوا التمثيلية ووقعوا في حفرتها، وانغمسوا في لعبة عض الأصابع وشد الحبال، لكنهم، لحداثة عهدهم وقلة حيلتهم، نال الإحباط من نظافة كفهم فأخذوا ينفعلون خبط عشواء، ولم يدركوا أن المخضرمين يكررون لعبة الانتظار التي تعلموها بعد رحيل الجيش السوري وتفننوا في تنفيذها بقوة «القمصان السود» الشيعية.

في نهاية المطاف، البرلمان هو من سيختار الرئيس، بناء على تعليمة خارجية أو من دونها، فأحفظُ لماء الوجه، بدل الدعوة إلى طاولة حوار عقيم، كجزء من اللعبة الانتظارية، بإمكان رئيسه، التزاماً بالدستور، أن يدعو كتلته النيابية إلى المشاركة في تأمين النصاب، فينتفض على الدور الذي ارتضاه لنفسه منذ ثلاثين عاماً، راداراً يلتقط اللحظة أو ساعي بريد محلفاً، ويكون البرلمان ساعتئذ سيد نفسه.