من نافل القول إنّ وجود سلاح خارج الشرعية هو انتهاك لسيادة الدولة. ولأنّه من البديهيات فهو لا يحتاج إلى نقاش. “حزب الله” يرتكب الخطيئة لأنه متمسك به ضداً على كل البديهيات، وخصومه يرتكبون خطأ المعالجة بإصرارهم على جعله مادة للنقاش لأنّ النقاش في البديهيات يعيق التوصّل إلى المعرفة الصحيحة، بحسب الفيلسوف باشلار، إذن هو يعيق التوصل إلى تشخيص سليم ومعالجة ناجحة.
من الظلم طبعاً مساواة الخطأ بالخطيئة، لكنّهما يفضيان إلى النتيجة ذاتها، أي إلى فشل معالجة هذا الفيروس الذي أصاب لبنان منذ أن قررت القوى السياسية اللبنانية بيمينها ويسارها منح السلاح خارج الشرعية نصيباً من الشرعية، بداية في اتفاق القاهرة ثم في المقاومات المتعددة ضد الوجود الفلسطيني والسوري وضد الاحتلال الإسرائيلي.
إذاً، “حزب الله” ليس صاحب هذه البدعة بل أحد ورثتها؛ حسناً فعل خصومه حين اختاروا، لنزع سلاحه، اسلوب الشاعر محمد الماغوط الذي قرر أن يتكئ في عرض الشارع وألا يبرح “حتى تفرّ كلّ هراوات الشرطة والمتظاهرون من قبضات أصحابها وتعود أغصاناً مزهرة في غاباتها”.
صاحب الإرث حي يرزق. هو نظام حكم ألقت الأنظمة العربية على عاتقه، بسبب عجزها، نتائج هزيمة حزيران 1967 وأعباء القضية القومية، وفرضت عليه التشريع للسلاح خارج الشرعية، ثم أشرفت في مرحلة الوصاية السورية على تدميره بإحلال النهج الميليشيوي محل الدولة والدستور والمؤسسات.
مأزق المعالجة التي يطرحها خصوم السلاح مزدوج. من جهة، هم يطلبون من سلطة الميليشيات حل الميليشيات، أو يتوسلون في سرهم تدخل أطراف خارجية فيقعون في أفخاخ الاستدراج اللعينة؛ وهم، من جهة ثانية، يطرحون على جدول العمل مهمة غير قادرين على تحقيقها، ربّما لأنهم لم يصدقوا قول ماركس إن التاريخ لا يطرح على جدول عمله من المهمات إلا ما تكون البشرية قادرة على فعله، وربما، وهذا هو الأدق، لأنّ بقايا من آليات الحرب الأهلية ما زالت عالقة في متاهات تفكيرهم.
نزع سلاح “حزب الله” على طريقة نزع السلاح الفلسطيني سيكلف لبنان دماراً يفوق دمار اجتياح 1982 أو عدوان 2006، ونزعه بالقوة المحلية لن يكون أقل خطراً من “حرب السنتين” أو “حرب العلمين” أو معارك “أمل” و”حزب الله” أو معارك الجنرال ميشال عون و”القوات اللبنانية” في ثمانينات القرن الماضي.
إذا كان السبيل الأول مستحيلاً والثاني مدمّراً فحصر الخيارات بينهما نوع من العبث بالمصير الوطني. إذاً ما العمل؟
عنوان المشكلة كما تحدد منذ سبعينات القرن الماضي هو “السلاح غير الشرعي” لكنّ جذورها تعود إلى تفريط قادة البلاد، يميناً ويساراً وأحزاباً وتيارات ومقاومات، مع استثناءات قليلة معدودة، بسيادة الدولة، بلغت حدود الخيانة الوطنية في عهد الرئيس ميشال عون، الذي وظف موقع الرئاسة في تمكين السلاح غير الشرعي من الحلول محل شرعية الدولة، منتهكاً الدستور ومشرعاً الحدود أمام كل صنوف التدخل الخارجي.
سنطبق معادلة رياضية على أزمة السلاح بقولنا، إن (أ) و(ب) يصبحان متساويين إذا عملنا إمّا على تكبير أحدهما وإمّا على تصغير الآخر. وبما أنّ تحجيم دور السلاح غير ممكن لا بالتمني الشاعري ولا بالحرب، فلا حلّ إلا بتكبير دور الدولة من خلال العمل على إعادة بنائها التزاماً بأحكام الدستور، أو ببنود برنامج ثورة 17 تشرين 2019 اللبنانية.
بدل شعار السلاح ومشتقاته كالتحرير والمقاومة، يُرفع شعار الدولة بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية وإقفال المعابر والالتزام بأحكام الدستور، ولا سيّما بمبدأ الفصل بين السلطات، مع نفس نضالي طويل تكون ركائز الدولة خلاله قد تثبتت، وتكون الظروف المحلية والإقليمية قد أقنعت “حزب الله” وحلفاءه الممانعين بالعودة إلى رشدهم الوطني، أو يكون السلاح قد تعرض للصدأ. ويكون نقد الحرب الأهلية قد غادر مرحلته اللفظية، وهذا موضوع المقالة القادمة.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان