26 أبريل، 2024

نظام التفاهة (١١)مرشّح؟ غير مرشّح؟

18 شباط 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/147456

بتحبني، ما بتحبني. لعبة الأقحوان. هي لعبة حظ، فيها يتعلق مصير العاشق بطريقة عدّ أوراق الزهرة. وظفني؟ لا ما وظفني. لعبة عادل كرم في سكتشات متلفزة. غير أن الترشح إلى رئاسة الجمهورية لا يحتاج إلى إعداد ولا إلى ربيع مزهر. إخراج المسرحية في أنظمة الاستبداد أكثر وضوحاً وأقل تعقيداً. الرئيس يُسمّى ولا يُنتخب. الرئيس يُعين من غير أن يترشح.

هي بدعة الأنظمة والأحزاب الشمولية. في الاتحاد السوفياتي وأفلاكه يُمنع الترشح الحر. يتقرر الأمر في لجنة خاصة اسمها لجنة الترشيحات. في الاشتراكيات العربية مرشح واحد واستفتاء. في إيران يوكل إلى مصلحة تشخيص النظام أمر اختيار المرشح الأفضل.

في لبنان باتت المسألة أكثر تبسيطاً منذ بداية عهد الوصاية. لا حاجة لإعلان الترشيح. يغدو «الشخص» الرحباني رئيساً من غير أن يترشح. يسقط اسمه كما المظليين. يسقط على المنتظرين في قاعة البرلمان للمباركة والمصادقة على قرار تمّ اتخاذه في الغرف السوداء أو في سواد ليل القمصان السود.

الرئيس الأول بعد الطائف تقرر اغتياله لأنّ انتخابه لم يسلك هذا المسار. فهم البرلمان درس الرئيس رينيه معوض. درس واحد ولا كل الدروس. ثم أربعة عهود بالأسلوب المسرحي ذاته. في المرة الخامسة بات الأمر مختلفاً.

من فرط حرصهم على الديمقراطية يصر البرلمان اللبناني هذه المرة على وجود أكثر من مرشح، فيعطّل النصاب لأنّ الاقتراع بوجود ميشال معوض مرشحاً وحيداً معلناً هو، برأي أهل الديمقراطية من الممانعين، صيغة استفتاء لا انتخاب، وهو ليس إلا محاكاة لأنظمة الاستبداد الشيوعي أو البعثي أو الإيراني.

برلماننا لم يعد يرضى بمحاكاة سواه. هو يريد أن يحاكي نفسه، كما في المرة السابقة، أي أن يحاور. فطاولة الحوار، لا الاقتراع، هي السبيل لاختيار الرئيس. طاولة لإقناع أي معترض بأنّه لا حاجة ولا حجة للاعتراض، لإقناعه بالحسنى وبأي أسلوب آخر. الحسنى يعني انتظار سقوط الاسم بالمظلة، أو سقوط المعارضين باليأس المبين. وبالتحديد بانتظار إعلان سليمان فرنجية ترشيحه.

أمّا سليمان فرنجية فهو مرشح طبيعي. يكفي أنه ماروني ومن سلالة رئاسية لكي يكون مرشحاً. لكنه لن يكون مرشحاً إلا حين يعلن ترشيحه. هذه ليست حزورة ولا هي لعب على الكلام. هي مناورة ليس فيها «معنى سوى أنها فضول، مستفعلن فاعلن فعول».

بانتظار ذلك تنهار العملة الوطنية ويجوع الناس وتحرق مقرات المصارف وتنهار المؤسسات وتقفل المدارس وتكتظ السجون، ويتحاصص المسؤولون الأمن والقضاء ويربطون مصير الوطن بالصراع على تأويل مصطلحات النصاب والشرعية وتعديل الدستور، وعلى معرفة جنس الملائكة وأيهما الأسبق البيضة أم الدجاجة. إلا باب الحل يمتنعون عن ولوجه، ولا باب سواه: الالتزام بأحكام الدستور واحترام المهل الدستورية وانتخاب رئيس للجمهورية.

ذروة التفاهة على درب الجلجلة أنّ المرشح الطبيعي الذي ما زال غير مرشح رسمياً، يتناوب على الترويج الإعلامي له وزراء وجامعيون وباحثون، أي من حملة الشهادات، ويتغنون بصدقه وعفويته وفروسيته، أي بكفاءات ومهارات يمكن أن يتحلى بها مختار قرية في القرن العشرين لا رئيس جمهورية توزع كفاءات مبدعيها على أربع أرجاء الأرض.

هذه المرة لن يمر تنصيب رئيس من أهل الممانعة ولا انتخاب رئيس ضدهم بالكيد والتحدي. لبنان بحاجة إلى إنقاذ ليس فحسب من الجحيم المعيشي والمالي والاقتصادي والسياسي الذي رمته المنظومة فيه، بل كذلك من تفاهة حملة الشهادات المحسوبين على أهل العلم والثقافة الذين يتسكعون على باب السلطان.