25 آذار 2023
مكمن الخلل في الأحزاب مجافاة الديمقراطية. هذا ما خلصت إليه وثيقة المؤتمر السادس في الحزب الشيوعي. انقلاب القيادة المنتخبة على هذه الخلاصة هو ما دفع جورج حاوي إلى تقديم استقالته من الأمانة العامة.
الديمقراطية في الأحزاب كذبة. هذا ما قالته الوثيقة ذاتها. فالقيادات لا تصل عن طريق الانتخاب الحر، بل إنّ الأمين العام هو من يختار المكتب السياسي وهذا يختار اللجنة المركزية وهذه ترسم مسبقاً مسار عمل المؤتمر. في الأحزاب التوتاليتارية ليس صحيحاً القول، كما تكونوا يولّ عليكم بل تنقلب الآية، كما يولّ عليكم تكونوا.
هذه ليست حال الحزب الشيوعي وحده بل حال جميع الأحزاب المشابهة، أحزاب الله، كما أسميتها في كتابي، التي تتحول كالعجينة بيد القيادة، رئيساً أو أميناً عاماً ومساعدين. الحزب الشيوعي كان يشبه جورج حاوي يوم كان أميناً عاماً، ثم صار يشبه من تولى الأمانة من بعده ولم يحسن حملها.
إكتشف جورج حاوي أنّ الوحدة الوطنية هي الأولوية على ما عداها. من دونها لا الإصلاح السياسي للنظام أمر ممكن ولا النضال لتحرير فلسطين ولا بناء الاشتراكية. إكتشف ذلك بعد هزيمة الميليشيات في الحرب الأهلية وهزيمة حركة التحرر الوطني في حرب الخليج الأولى، وانهيار التجربة الاشتراكية. غير أنّ اتفاق الطائف مضى في طريق معاكس فأوكل بناء السلم إلى قوى سياسية لا تضع الوطن ولا الدولة في أولوياتها.
من أجل طي صفحة الحرب الأهلية، قصد غدراس للقاء سمير جعجع، وراح يحضر «الحزب» للانتقال الآمن إلى مرحلة السلم وإعادة البناء تحت راية المصالحة الوطنية. غير أنّ القيادة المنتخبة وضعته أمام خيارين، إمّا الوحدة الوطنية، إمّا وحدة الحزب. لم يوافق على دفع «الحزب» إلى الانشقاق في ظل قيادته فمضى وراء الأولوية التي اختارها وغادر تاركاً عجينة «الحزب» تتشكل على صورة سواه ومثاله.
القيادات المتعاقبة انقلبت على مقررات المؤتمر وبنت سياستها على أولويات مغلوطة، فراحت تدير، بدل الانشقاق، شرذمة غير مسبوقة أو تشظياً، بحسب التسمية التي أطلقها النائب محمد رعد يوم لم يقبل بضم شيوعي إلى لائحته البلدية في النبطية، لينتهي «الحزب» مؤخراً برسالة من أمين عام سابق يكرر فيها مقولات متحدرة من مرحلة التأسيس وأخرى من مرحلة الوصاية.
سبق الرسالة بأسابيع بيان صدر في دمشق بعد لقاء بعض»الشظايا» بقيادة حزب البعث، وفي كليهما، الرسالة والبيان تتمحور الأولويات حول العلاقات المميزة مع الشقيقة، ومواجهة «المشروع الأميركي الأطلسي الذي دمر العراق وسوريا وليبيا»، ومنع لبنان «من الاستفادة من دعم الدول الصديقة، إيران والصين وروسيا». ولم تسلم من الإدانة منظمات المجتمع المدني «المتناسلة بالمئات والمعتاشة على الارتزاق من السفارات».
حين تتعارض الأولويات مع الوحدة الوطنية، فهي تتعارض أيضاً مع وحدة الحزب وتنزع عنه صفة الوطنية ثم تحوله إلى شظايا ثم ترميه في مهملات التاريخ مع مخلّفات الماضي. وهي التي كانت وراء فصل أطباء ومهندسين ونقابيين بتهمة الاعتراض على قرارات القيادة، ووراء دفع آلاف المحازبين إلى الوقوف على ضفاف الحزب متحسرين على دوره في المقاومة والنقابات والثقافة والنضال الديمقراطي والتحالفات المحلية والعربية والدولية، ووراء إقصاء مئات المحازبين بتهمة تضامنهم مع ضحايا الاغتيال السياسي.
على صعيد الوطن والدولة، بين رؤساء الجمهورية من بنى وبينهم من عطل ومن دمر. في الأحزاب كما في الأوطان، لا أحد فوق النقد، لكن، لا يكون مؤهلاً للدفاع عن وحدة الوطن من يفرّط بوحدة الحزب.
مقالات ذات صلة
طوفان عيوب في حرب الإسناد
حزب الله كمقاومة وحزب الله كحركة تحرر وطني
هل الصمت الدولي مشروع ومبرر؟