29 مارس، 2024

الأمين العام كاريزما وقدرة على الإقناع

1 نيسان 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/158846

كان الحزب الشيوعي يذيل صور شهدائه في الحرب الأهلية بعبارة، دفاعاً عن وحدة لبنان وعروبته وتطوره الديمقراطي وعن الثورة الفلسطينية. كان ذلك أقرب إلى الصواب لو تم تعديل الأولويات، ليظهر الدفاع عن الثورة بمثابة استقواء بها على الخصم الداخلي.

تفاقم التجاوزات الفلسطينية كان يحرج الشيوعيين في محيطهم ولم يكن ممكناً إقناعهم باستمرار تضامنهم بغير تدخل دوري مباشر من الأمين العام جورج حاوي. جمعيات عمومية في كل منطقة يستمع فيها إلى شكاواهم ويرد عليها ويفندها ويعرض مهاراته في فن الإقناع بالأدلة والحجج والبراهين النظرية والعملية التكتيكية والستراتيجية، ويعدهم بعد الصبر بجنة النصر المؤجل، فيعودون على مضض إلى جادة الوحدة النضالية المغمسة بالدم بعد أن يكون قد غطى جمر الشكوى بطبقة رقيقة من رماد الاقتناع.

أحد الأصدقاء برر انسحابه من العمل الحزبي بأنه لا يرضى بأن يناضل بإمرة من هو أقل ثقافة منه. ربما لأن المثقف هو الأكثر تطلباً ليقتنع بأمر ما. أما إذا اعتمدنا معيار سارتر القائل أن «المثقف هو الذي يتدخل في ما لا يعنيه»، فمطالعات جورج حاوي أمام اللجنة المركزية كانت الأفضل لا في النقاشات السياسية وحدها بل في التقارير التي كان يقدمها مسؤولون في العمل النقابي أو في الحقل الثقافي أو في ميدان النضال الإيديولوجي.

القدرة على الإقناع تحتاج إلى إتقان فن الخطابة وإلى سرعة في استحضار الأفكار وتركيب معادلات منطقية وترتيبها بشكل متسلسل لا يترك أي مجال للشك أو الارتباك في أذهان الأنصار والأتباع والمحبين. وقد لا يحتاج الأمر إلى كل هذه المواهب إذا كان الخطيب يملك الكاريزما التي تجعل الكلام يدخل إلى القلب من باب الحب والإعجاب معاً، بحيث يبدو المستمع جاهزاً للاقتناع حتى بأفكار ومواقف خاطئة تصدر عن قائده.

تتعزز الكاريزما بقدرة الخطيب على الارتجال، خصوصاً إذا لم يلحن (يخطئ) في اللغة. فكيف إذا أطال؟ الخطب الدينية نموذجاً. بضع ساعات لعبد الناصر بضع عشرة ساعة لفيديل كاسترو. في المقابل لا يحتاج تصريح الرئيس في الديمقراطيات العريقة إلا إلى دقائق معدودة. ما قل ودل.

وليد جنبلاط من المقلين في الكلام. السيد حسن نصرالله ومحسن ابراهيم من أصحاب المطولات الخطابية وكلاهما متمكن من اللغة لأنه متحدر من عائلات دينية. ومثلهما جورج حاوي لكن مع أخطاء لغوية كثيرة، وبشير الجميل مع خطابات بالعامية.

المقابلات المتلفزة اختبار نموذجي وامتحان يكرم فيه الأمين العام أو يهان. فيها تختبر سرعة البديهة وسرعة استحضار الأفكار والوقائع وفيها يمتحن حسن التخلص من أسئلة محرجة وخوض المساجلات مع محامي الشيطان. يقول الأديب الفرنسي نيقولاس بوالو،Boileau ما يكون واضحاً في الذهن نعبر عنه بطلاقة ونستحضر له الكلام بسهولة. ينجح في المقابلات إذن من يدخل إليها ولديه ما يقوله، أي من يحمل وضوحاً في الرؤيا وقدرة على المناورة.

من خطباء التاريخ يتذكر المرء شيشرون والحجاج بن يوسف وعلي بن أبي طالب، ومن المساجلين ماركس ولينين ومهدي عامل. كل هذه الأسماء والأفكار حضرت إلى ذهني بعد أن شاهدت مقابلة مع الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني.