24 نوفمبر، 2024

الثنائيات المغلوطة (5)أفعل التفضيل أفضل التعطيل

16 أيلول 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/204650

رسالة إلى «الثنائي»

وضعني القدر الوراثي في جماعة مذهبية يتحكم «الثنائي» بمصيرها. مع أنني لست قادراً ولا راغباً بالخروج منها، إلا أنّ الاستبداد باسم الطائفة يشعرني أنني مهدد بتهمة الردة إن خرجت منها، فكيف لو خرجت عليها؟

لا يتغير الصيت بالتسمية. ثنائي شيعي أم ثنائي وطني؟ ليس وطنياً من لا يؤمن بالوطن سيداً حراً مستقلاً كسائر بلدان العالم في الحضارة الرأسمالية. أما مشروعكما فهو يرقى إمّا إلى نظام الملل العثماني إمّا إلى العصر المملوكي وما سبقه وكلاهما من حضارة ولّى زمانها.

لست أظن أنكما معاديان للرأسمالية لا كشيطان أكبر ولا كإمبريالية متوحشة أو استعمار، فنحن وأنتم وكل البشرية اليوم نعيش في ظلال حضارتها وشكوانا منها خيانتها مبادئها الأولى ومحور هذه المبادئ الحرية بكل معانيها والديمقراطية بما هي ترجمة سياسية لأحد معاني الحرية.

إذا كانت الرأسمالية قد ابتكرت الانتخابات وسيلة للتعبير عن حق الاختلاف بين المواطنين وسبيلاً لتداول السلطة، وهذه، على أهميتها، من الأمور الشكلية في الديمقراطية، إلا أنّها ذهبت في خيانتها إلى حدّ اعتمادها الاستبداد، استبداد المصالح، أساساً في تنظيم العلاقات بين الدول.

مشروعكما يسير عكس مسار التاريخ، تاريخ البشرية وتاريخ لبنان. البشرية ماضية نحو الديمقراطية ولبنان يحث الخطى، بالرغم من كل مآسيه، ليكون وطناً بين أوطان العالم العربي وأوطان العالم ضداً على من يرغبون بتصغيره بالفدرلة أو بتكبيره بالوحدة العربية أو الاشتراكية أو الهلال الشيعي أو الأمة الإسلامية.

الرأسمالية عممت بالحسنى أو بالقوة قوانينها في إدارة السوق والاستهلاك والربح والقيمة الزائدة، مثلما عممته في العلم والجامعات ومراكز الأبحاث، لكنها استخدمت الديمقراطية مطية لتحقيق مصالحها مثلما تستخدمون أنتم الطائفة وسيلة لاحتكار السلطة داخلها والطائفية لاحتكار السلطة داخل الوطن.

مع ذلك، الديمقراطية هي قدر البشرية المحتّم، من يوم ولادة الثورة الفرنسية إلى أن تصبح الحرية جزءاً من التكوين الجيني الأخلاقي للإنسان، حيث لن يسمح العمر لمشروعكم بتوظيف فسحة الزمن الطويلة هذه لصالح الاستبداد ضد الديمقراطية.

تأخذون على خصومكم أنّهم هددوا بالتعطيل. هكذا، من غير أن يرف لكم جفن، تقفزون فوق أعوام من التعطيل هي من صنع أيديكم. وكأنّكم تفاضلون بين تعطيلهم الافتراضي وتعطيلكم العملي. ولا بدّ من أن يكون الحريص على الدولة حكماً ضد كل ما يخالف الدستور والقوانين.

لكن، حين تفرضون علينا أن نختار واحداً من التعطيليين، فنحن، أنصار الدولة الواحدة لا الدويلات والسيادة الواحدة لا السيادات، مع تعطيل التعطيل. هذه ليست فلسفة تشبه نفي النفي في الماركسية أو الهيغلية. بل هي ببساطة دعوة إلى مواجهة من جرّب تعطيل المؤسسات ويحاول هذه المرة تعطيل الدولة وإلغاء الوطن. وإن لم تفرضوا ذلك فننصحكم باستبدال السؤال، لأنّ من غير الممكن أن تتلقوا جواباً صحيحاً على سؤال مغلوط.

قبل الرأسمالية كانوا يعالجون قضايا التنوع والتعدد والاختلاف بالقهر أو يختارون لها حلولاً أخلاقية. بعدها صارت تلك القضايا حقاً مشروعاً منبته حرية الإنسان الفرد، ولم تعد تتسبب بأزمات إلا لدى من يفكرون بعقول القرون الوسطى. لبنان ليس البلد الوحيد في العالم المتعدد بمعتقداته الدينية وبطوائفه وبمذاهبه السياسية وأصول شعبه الجينية منذ أن كانت الخليقة، مروراً بالساميين والكنعانيين والفينيقيين والعرب والسريان والصليبيين والأتراك وأهل الاستعمار.

عصور الاستئثار الديني أو المذهبي أو الإتني من علامات حضارات اندثرت. ولبنان السبّاق سيلفظ الشيعية السياسية مثلما لفظ أشباهها ولن يرضى لشعبه بغير وطن حر ودولة سيدة.