28 أبريل، 2024

حوار افتراضي بين النكبتيْن

11 تشرين الثاني 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/223491

قال صاحبي هل يجوز الآن نقد الضحية فيما تنفذ إسرائيل جريمة الإبادة؟ قلت لصاحبي وهل كُتب علينا أن نناضل باللغة ونحارب العدو باللغة فنشتم ونفضح وندين ونتضامن ونعيد أسماء المدن والقرى الفلسطينية إلى أصلها العربي؟ وهل يعقل أن يناضل الشعب الفلسطيني ويضحي بهدف مراكمة الأدلة على وحشية الصهيوني المغتصب العنصري النازي؟

جيلنا فاتته النكبة لكنه تكوّن من جيناتها وتربى على حب القضية مع حليب الأمهات. في الوقت المستقطع بين النكبة والنكسة تدربنا على التضامن مع ثورة الجزائر، ولم نبخل من أجلها بشيء، لا بالحناجر ولا بمصاغ النساء، وتغنينا ببطولة جميلة بوحيرد وأنشدنا لها فخراً واعتزازاً. لم يطل الأمر حتى حلت بالثورة أمراض السلطة، ومن انقلاب إلى انقلاب تحول ورثة المليون شهيد نحو الحرب الأهلية.

مع النكسة حكم جيلنا على السلف بالتفريط بالقضية، فحملنا رايتها ومضينا كما سوانا في حربنا الأهلية. مشينا على خطى بعضنا، نحن اللبنانيين تعلمنا منهم الكفاح المسلح ضد العدو وضد السلطة أيضاً، وتعلموا منا فن الحرب الأهلية واختاروا الفرقة بدل القتال. بدل الدولة دولتان فلسطينيتان وبدل السلطة سلطتان.

الربيع العربي قدم لنا خلاصة أخرى عن كابوس السلطة، كان أفظعه في سوريا. المهم أن تبقى السلطة حتى لو من غير شعب. السلطة عندهم أهم من الدولة وأهم من الشعب. هل يصح تشبيه الإبادة في غزة بتلك التي حصلت في الشام بالتهجير أو بالبراميل أو بالحرب الأهلية؟ الفارق بينهما بسيط. هنا السلطة تبيد شعبها وهناك العدو. الشتيمة لا تجدي لا هنا ولا هناك.

هذه الحروب الأهلية هي من صنع جيلنا. حين قال الشاعر، تنبهوا واستفيقوا أيها العرب، كان يخاطب جيل النكبة ووريثه الذي تربى على أولوية السلطة على الدولة. جيل الحروب الأهلية من العراق شرقاً حتى الجزائر غرباً ومن الشام شمالاً حتى اليمن.

«لقد طمى الخطب»، لكن الجيل المصاب بمرض الحروب الأهلية ما زال «يتعلل بالآمال الخادعة»، فينتظر الترياق من العراق، مع أنّ معزوفة تخوين الأنظمة باتت فعل غباء. لو كانت الأنظمة العربية جاهزة للحرب لما اختارت طريق التطبيع. ولو أنّ الأنظمة والثورات التابعة لها فضلت الوطن على السلطة لما اختارت المواجهة بالأنفاق.

حين قلت نعم لبطولات حماس لا لمشروعها السياسي، رأى صاحبي أنّ البطولة من فعل العقيدة. لكن عقيدة الشعب الفلسطيني الموحدة ليست الدين ولا المذهب بل هي القضية، وليس كل من ناضلوا وضحوا بأموالهم وأنفسهم وذهبوا بكامل وعيهم على طريق الشهادة أصحاب عقيدة واحدة. بيت القصيد هو أنّه من حق كل امرئ أو حزب أن يعتقد بما يشاء، على ألا يسعى إلى تعميم معتقده بالقوة، لأنّ عصور التبشير انطوت مع طي صفحة الحروب الدينية في أوروبا ومع تشكل الأوطان والدول الدستورية.

يعتقد بعض العرب أنّ «حماس» تحاول استدراجهم إلى حرب لم تكن في يوم من الأيام على جدول عملهم. ويعتقد آخرون أنّ الصهيونية متفوقة إعلامياً على العرب، فضلاً عن تفوقها العسكري، لأنها قادرة على «الظهور بصورة الضحية مع أنها هي التي تقتل وتسفك الدماء، وأنّ العربي هو الضحية لكن خطابه مشحون بالوهم والبطولات الشعاراتية».

قلت لصاحبي، آن أن نضع على مشرحة النقد تجاربنا العربية من النكبة حتى نكبة غزة لكي نتعلم منها كيف نخطط للمعركة قبل أن نخوضها، وكيف نخوضها من غير أن نقول في نهايتها، لو كنت أعلم.