23 نوفمبر، 2024

كريم مروة بين السياسي والمثقف

17 كانون الثاني 2024

https://www.nidaalwatan.com/article/243914

«ألم يكن ممكناً أن يتجنب العقلاء، أن يفعلوا المستحيل لمنع انفجار الحرب الأهلية بتلك السرعة المذهلة، ويعملوا لمنع استمرارها بعد أن انفجرت كالبركان؟ هذا كان أول الغيث في نقد التجربة. وهذا كان كلام المثقف داخل كريم مروة لا كلام السياسي.

من 1953، تاريخ انتسابه إلى الحزب الشيوعي، حتى عام 1990، نشر كريم مروة كتابين، الأول بعنوان، كيف نواجه الأزمة؟ والثاني عن المقاومة الوطنية اللبنانية. الأول تتويج لمرحلة نهوض، والثاني، دفاع عن، وحنين إلى، ما اعتبره الحزب إنجازه الأهم، أي المقاومة لتحرير الأرض.

كتابان فقط في أربعين عاماً، ثم حوالي عشرين كتاباً في عشرين عاماً. في عمر الثمانين، قال إنه يعيش فترة الشيخوخة التي قد تمتد لعقد أو عقدين، كان يشعر أنه يقيم في مقتبل الكتابة أو في شبابها ويصدر، كل عام أو عامين، كتاباً. في الخامسة والثمانين وعد بأن يصدر كل عام كتابين.

نتاجه الفكري والسياسي صار غزيراً بعدما انفجرت أزمة الحزب. موجبات العمل الحزبي اليومي تنحاز لصالح السياسي داخل المناضل فتكبح الجانب الثقافي والفكري فيه. السياسي يستعجل اتخاذ القرار، فيما المثقف يتأنى، لأن همه البحث عن الحقيقة. المثقف يميل إلى طرح الأسئلة والتساؤلات وإثارة الإشكاليات بينما يميل السياسي إلى تقديم الأجوبة، وأجوبته جاهزة. فيما ينحاز المثقف للشك طريقاً إلى اليقين، ينحاز السياسي للجزم والحزم ويرى في الشك والتشكيك تخاذلاً وتردداً ونقصاً في الشجاعة والإقدام.

المثقف الذي فيه هو الذي استشعر الأزمة، فيما السياسي الذي فيه كان يكبت هذا الشعور. لهذا أرجأ كريم مروة السياسي تحديد بداية الأزمة مع أن المثقف الذي فيه قد بدأ الكتابة عنها. السياسي الذي في كريم مروة لم يعترف بوجود أزمة في الثمانينات، مع أن شهداء الحزب الذين قضوا في عام 1987، كانوا ضحية إصرار القيادة على التحالف مع خصوم الخندق الواحد. أذكر أنني كتبت في رثاء حسن حمدان نصاً في جريدة السفير، قلت في مقطعه الأخير:

«غداة موتك اهتزت خطواتنا. إذا كنا قد فقدنا بغيابك بعضاً من نكهة الصبر وشهية العناد، فلأن الكورس قد شرد عن اللحن، ولأن أفراد الجوقة تاهوا في ركام من عزف منفرد». لم يتأخر وصول اللوم من قيادة الحزب على هذه الجملة الأخيرة. فهم كانوا لا يزالون غارقين في وهم العزف الجماعي الذي صار فردياً حول سؤالين، ماذا بعد انهيار الاشتراكية، وماذا بعد انفجار أزمة التحالف مع النظام السوري الذي بدأ يضبط أعمال المقاومة على إيقاع رغبته في توظيف بطولات المقاومة في تحسين شروط التسوية لا في تحرير الأرض؟

بعد أن انتصرت عنده الأسئلة على الأجوبة أخذت التساؤلات مداها فبدت تشكيكاً بكل شيء، بحثاً عن اليقين الضائع. تشكيك، لكن بشهامة ونبل. شكك بكل الماضي لكنه لم يتبرأ منه. قرأ المتشددون شكه ولم يقرأوا التزامه، ولذلك أخذوا عليه ذهابه بعيداً في النقد حين حمّل لينين وماركس والثورة الاشتراكية مسؤولية الكارثة والانهيار كما أخذوا عليه ليونته في السجال مع الفكر الإسلامي. السبب ذاته دائماً، المناورة من عدة الصراع السياسي لما تنطوي عليه من المرونة والمهارة واللف والدوران، لكنها مسيئة في الصراع الفكري الإيديولوجي.

غير أن مرونة كريم مروة التي بدت بمثابة تنازلات أمام الفكر الديني اقترنت بموقف جريء دافع فيه عن الماركسية وعن موقفها الحقيقي من الدين. كان ذلك أيضاً دفاعاً عن ماركس العالم المثقف لا عن ماركس الحزبي.