9 آذار 2024
https://www.nidaalwatan.com/article/259976
محمد علي مقلد
ما بعد الهدنة والنكبة
9 آذار 2024
على الحزب الاشتراكي أن يستعيد دوره كقوة تقدمية لا كقوة مذهبية، وعلى اليسار أن يصحو من كبوته ويخرج من جبهة الممانعة، وعلى الجميع الخروج من أوهام المراهنة على الخارج، وعلى من استنبتتهم واستولدتهم الأجهزة كأطفال الأنابيب ورمتهم على حلبة السياسة إخلاء الساحة لرجال الدولة. وعلى الأحزاب الصغرى والتجمعات التي تشكلت برعاية الأجهزة التحول إلى جمعيات خيرية تعمل في حقول الصحة والبيئة والثقافة والعمل الإنساني.
على الثنائي الشيعي وخصوصاً «حزب الله» أن يدرك أنّ القدرة على الحشد الشعبي الطائفي لا تبني وطناً. بشير الجميل و»القوات اللبنانية»، موسى الصدر و»حركة المحرومين»، كمال جنبلاط والحركة الوطنية اللبنانية، كلهم حشدوا، لكن تلك الحشود كانت تشكو من انحصارها في منطقة أو طائفة. حركة كمال جنبلاط، وهي الأكبر في تاريخ الصراع بين اللبنانيين، لم تنجز مهمتها لأنّها انحازت، بالرغم من علمانيتها الصريحة، لصالح المسلمين ضد المسيحيين واستعانت بالسلاح الفلسطيني.
القدرة على الحشد رأى فيها الثنائي انتصاراً، فيما هي تفريط بدور لعبه المواطنون الشيعة في بناء الوحدة الوطنية. ففي بداية الحرب الأهلية شاركوا بكثافة في القتال مع الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية، تعبيراً عن حاجتهم إلى الخروج من حالة تهميش مزمنة وعن شعورهم بأنّ دولة الاستقلال لم تنعم عليهم كما أنعمت على سواهم من خيراتها ومن رعايتها، وعن رغبتهم في تقاسم الغنم والغرم مع سواهم. غير أنّ الطائفة، أية طائفة، لا تكسب شيئاً إن هي كسبت نفسها وخسرت الوطن.
إنّ «حزب الله» مطالب اليوم بتجييش مناصريه من الطائفة في إعادة بناء الوطن والدولة، ولن يكون وجوده المسلح إلى جانب الدولة أو بموازاتها أو بديلاً منها إلا انتهاكاً صريحاً لسيادتها.
الانتصار لغزة بالتباكي أو بالمشاغلة أو بالإسناد هو استغباء سياسي للبنانيين. إذ لم يعد يجدي القضية الفلسطينية انقسام اللبنانيين بين مؤيد للقرارات الدولية ومعارض لها، أو تحريضهم ضد قوات الطوارئ الدولية. ولا هو مجدٍ الكلام عن الحياد إزاء النكبة الجديدة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة وفي الشتات.
لقد بات على سائر قوى التحرر والمقاومة، بما فيها «حزب الله»، أن تعيد قراءة تجربتها لتستنبط خطة جديدة في مقارعة المخاطر الخارجية، على ضوء معطيات ووقائع من بينها أنّ الحروب التبشيرية والدينية قد صارت من الماضي، وأنّ الحرب الباردة انتهت بزوال الاتحاد السوفياتي، وأنّ الدولة الدينية التحررية ليست إلا وهم استبدال العمائم بضباط الجيوش، وأنّ الديمقراطية هي خير سبيل إلى وحدة وطنية تجند الطاقات وتحشد الهمم والجهود في مواجهة أعداء الوطن، وأنّ الوحدة القومية في صيغتها القديمة ماتت منذ انهيار النماذج الوحدوية في الستينات، أو على الأقل منذ احتلال العراق الكويت والسيطرة السورية على لبنان، وأنّ الوحدة الإسلامية ماتت مع هارون الرشيد أو بعده بقليل. على هذا الأساس ينبغي وضع القضية الفلسطينية في عهدة أبنائها والالتزام بأشكال المساعدة التي يطلبونها.
«حزب الله» مطالب بقرار جريء بالتخلي الطوعي عن الحصة التي اقتطعها لنفسه على حساب الدولة، وبالعودة إلى رحاب الوطن حزباً سياسياً يناضل كسواه تحت سقف الدستور ويلتزم بأحكامه، فيسارع مع الثنائي إلى الإفراج عن الانتخابات الرئاسية لتبدأ الدولة باستعادة مؤسساتها وسيادتها على حدودها وداخل حدودها.
نستعيد كلاماً سبق أن قلناه بعد عام 2000 ونصحنا فيه «حزب الله» بإهداء انتصار التحرير إلى الشعب اللبناني، ونكرره اليوم معدلاً حتى لا يكون الجنوب ولا الطائفة ولا الوطن نسخة «منقحة ومزيدة» من نكبة غزة.
مقالات ذات صلة
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان
اليسار والإسلاميون