3 نيسان 2024
https://www.nidaalwatan.com/article/266577
احتجاب النسخة الورقية من «نداء الوطن» ليس أمراً غريباً ولا هو التعبير الوحيد عن أزمة الإعلام المكتوب. هذا حصل في أكثر الدول استقراراً في أمنها وعملتها واقتصادها ونظام حكمها، ومع أشهر الصحف والدوريات فيها كالـ»لوموند» في فرنسا أو «نيويورك تايمز» في أميركا. اهتزت وتحوّلت إلى صحافة إلكترونية ثم استقرت على ما يلبي حاجة القارئ، كل في ظروف تخص بلاده.
الغريب أن تستمر صحف بالصدور بنسختها الورقية وكأن شيئاً لم يكن. كأن عالم الميديا ووسائل التواصل لم يقتحم حرم الصحافة ليصير حامل هاتف أو «لابتوب»، إذا إراد أو بقدرة قادر، ناشراً. كم شتّام من هؤلاء في بلادنا صار صاحب مركز للإعلام أو للدراسات، وكم من ميليشيوي أمّي فرض نفسه، بقوة المال أو التشبيح، شريكاً أو زميلاً لكبار أدباء الصحافة!
حتى في مرحلة سيادة الإعلام المكتوب، لا مبيعات الصحف ولا الاشتراكات ولا الإعلانات كانت تشكل تمويلاً كافياً، فيأتيها من ينعم عليها، على قاعدة «وبالشكر تدوم النعم»، أو بمساعدة على شكل اشتراكات افتراضية مدفوعة. أكبر صحيفتين لبنانيتين، «النهار» و»السفير»، كان لهما حصة من غنم هذه المهنة الشريفة ومن غرمها.
الغريب إذاً لا أن تتوقف صحيفة عن الصدور بنسختها الورقية، بل أن تستمر من غير تمويل. قد تكون «نداء الوطن» الوحيدة التي تعرضت لظلم عوني وملاحقة قضائية ميليشيوية لممولها أوقفت قلبه عن النبض وأوقفت بعد عام تمويل الجريدة. هذا من إنجازات عهد هو الأسوأ في تاريخ الجمهورية اللبنانية.
بعد شهرين يكون قد مضى على تأسيسها خمس سنوات استطاعت خلالها أن تحتل موقعاً متقدماً بين زميلاتها اللبنانيات. يعود ذلك إلى أمرين. الأول أنّها ترب الثورة. كانت الناطق غير الرسمي باسمها، ناصرتها وغطت نشاطاتها وحملت قضيتها، قضية الوطن والدولة، وكان لي شرف المساهمة في الكتابة فيها وعن قضيتها، على امتداد عمر الجريدة من غير انقطاع.
الأمر الثاني هو أنّ إدارتها جسّدت التعبير الحي عن الصحافة الحرة. سبق لي أن نشرت مقالاتي في صحف «السفير» و»النهار» و»البلد» و»الحياة» من غير أن يسجل اسمي في عداد كتابها، وفي «المدن» و»نداء الوطن» كواحد منهم. أشهد أنّ رئيس التحرير بشارة شربل لم يتدخل سوى مرتين فقط من أصل أكثر من ثلاثماية مقالة، مقترحاً تعديلاً في العنوان، والعنوان في الصحافة فن يتعلمه المرء بالممارسة.
عرفته أول مرة يوم رئس تحرير جريدة «البلد» ونشر لي أربع مقالات طويلة تضمنت استفاضة في نقد «حزب الله» الذي لم يكن يعلم إلى أين ستذهب حرب تموز بالوطن. كان قراره بنشرها شجاعاً لكونها سباحة ضد تيار الاحتفال بـ»النصر الإلهي». وخلال رئاسته تحرير «نداء الوطن» نشر بالشجاعة ذاتها، مقالات فيها، إلى جانب إدانة الإجرام الصهيوني، تضامن دائم ومتجدّد مع الشعب الفلسطيني وقضيته، وفيها تحذير من أن تفضي المغامرة البطولية إلى تدمير غزة فتتكرر المهزلة بمأساة.
عندما قررت الشركة صاحبة امتياز «البلد» التوقف عن إصدار الجريدة، أسس بشارة شربل موقعاً إلكترونياً تحت إسم «ليبانون نيوز» ودعاني إلى مشاركته تلك التجربة. كتبت فيه، على امتداد سنة كاملة، مقالة أسبوعية من دون أي مقابل، ولم أنتقل إلى الكتابة في موقع إلكتروني آخر، مقابل أجر، إلا بعد موافقته.
سنبقى مع «نداء الوطن» ورقية أو إلكترونية، لأننا مع الوطن. وسأبقى مع رئيس تحريرها وفريق عملها لأن صداقة الأحرار والعمل معهم ومشاركتهم الهمّ في السراء والضراء أهم ما يمكن أن يتقاضاه الصحافي الحر في بلادنا.
مقالات ذات صلة
طوفان عيوب في حرب الإسناد
حزب الله كمقاومة وحزب الله كحركة تحرر وطني
هل الصمت الدولي مشروع ومبرر؟