13 أكتوبر، 2024

تحرير العقول قبل تحرير فلسطين


محمد علي مقلد
(Mokaled Mohamad Ali)

  
الحوار المتمدن-العدد: 8097 – 2024 / 9 / 11 – 10:20

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=841852

كتب أحدهم على إحدى المنصات في وسائل التواصل:
“القيادات اللبنانية والعربية التي لا توعي جمهورها ولا تحرضه على العدو الصهيوني هي قيادات مشكوك بأهليتها وبوطنيتها”.
لفتني في هذا النص نزوع صاحبه إلى الشك “بأهلية ووطنية” كل صاحب رأي مختلف، وهو تقليد شاع زمن الممانعة يوم عز النقد وساد شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. كتبت تعليقاً على هذا الأسلوب الشتائمي النابع من الفرمان الاستبدادي، “لا تفكروا فنحن نفكر عنكم”، وضمنته مقدمة وثلاث إشارات:
“إسرائيل عدو، لأنها كيان عنصري يتنافى وجوده مع قيم العصر، ولأنها… ولأنها. ولكن…
١- لم نعد نحتاج الى حروب إضافية لنثبت ذلك
٢- من قضى على أسباب تطورنا هو استبداد الأنظمة واستبداد الأحزاب السياسية والدينية
٣- بات من الضروري البحث عن أشكال جديدة من المواجهة مع هذا العدو تختلف عن تلك التي انتهت بنكبة ٤٨ وبنكبة طوفان الأقصى وبالبكاء الدائم بين النكبتين”
في عصر ذلك اليوم اجتمع شيوعيون سبعينيون بمناسبة تكريم المناضل السبعيني هو الآخر، هاني مصطفى. احتفال رائع جمع شمل “رفاق الزمن الجميل”، بحسب تعبير أحدهم، من المنتظمين في صفوف الحزب أو من المقيمين على ضفافه طوعاً أو قسراً والحالمين كلهم بوطن حر وشعب سعيد.
لفتت نظري عبارة “الزمن الجميل”، ولفت نظري غياب جيل الشباب عن الاحتفال وعتبٌ عليّ على كلامٍ قلته عن المقاومة، والمقصود هذا الكلام أعلاه، مع أنني لم أستخدم مصطلح المقاومة في كتاباتي منذ غاب زمنها الجميل، ولفت نظري أيضاً غياب صانع هذا الزمن الجميل عن الاحتفال، زمن الرفاق وزمن المقاومة، الشهيد جورج حاوي.
رأيت في وجوه المحتفلين فرحاً استثنائياً وحنيناً إلى استعادة ذلك الزمن الجميل، ورغبة في الغناء مع فيروز شعراً أندلسياً: هل تستعاد أيامنا في الخليج وليالينا؟ لكن، لكل زمان دولة ورجال ولكل زمان جماله وصناع جماله. السبعينيون المتحلقون حول المكرم هم من سلالة الزمن الجميل الذي صنعه قادة كبار ومناضلون ناهزوا العشرين ألفاً وحولهم عشرات الألوف من المؤيدين والمشجعين.
زمن جميل آخر ثمراته جمول وبطولات ومقاومون بذلوا أنفسهم لا طمعاً بجنة في السماء بل من أجل تحرير الوطن من الاحتلال ومن الاستبداد.
لا زمن جميل من غير وحدة الحزب ووحدة الوطن. ولا زمن جميل من غير جيل جديد من شباب وصبايا صنعوا الثورة مثلما سبق لهم أن صنعوا المقاومة. لن تستعاد أيامنا بشد التاريخ إلى الوراء بل بفتح أبواب جديدة نحو المستقبل. التاريخ أقوى من الحنين إلى ماض مضى. لا الاتحاد السوفياتي سيعود ولا عصر الخلافة.
انتهت حروب إثينا واسبرطة لكن فلاسفة اليونان ما زالوا أحياء في برامج التعليم وفي عقول الأجيال. التجربة الاشتراكية انهارت لكن ماركس مازل أكثر المفكرين تأثيراً في الفكر السياسي المعاصر. كتب إبن رشد التي أحرقها الحكام الجهلة المستبدون ظلت الجسر الذي عبرت عليه الحضارة من الشرق إلى الغرب.
التاريخ لا يستعاد وهو أيضاً لا يتكرر، وإن تكرر فمأساة أو مهزلة. هذا ما قاله المعلم ماركس. ننظر إلى الماضي، على ما قال جورج حاوي، كالسائق ينظر في المرآة لكي يعرف كيف يقود سيارته إلى الأمام.
الماضي لنتعلم منه لا لنكون أسراه. طيلة عقود من الزمن ناضلنا في ظل اعتقادنا أن عصرنا هو عصر الانتقال إلى الاشتراكية. الحياة أقوى من جميع أفكارنا على ما قال ماركس. انهارت التجربة لكن فكرة العدالة لم تمت، فهي كانت قبل الاشتراكية وستبقى بعدها. وعلى مدى كل الأزمان ما زالت البشرية تناضل لتحقيق العدالة ومن أجل الحرية.
الزمن الجميل الآتي هو الزمن الذي لا يرغم فيه شبابنا على الهجرة والذي يتمكن فيه الجيل الجديد من إعادة بناء الوطن سيداً حراً مستقلاً والدولة دولة القانون والمؤسسات والكفاءة.
هذا ليس تخلياً عن الشعارات الثورية الموروثة. النضال من أجل الحرية والديمقراطية أكثر كلفة وأصعب من النضال في سبيل الاشتراكية. وتحرير العقل من الجمود أصعب بكثير من تحرير فلسطين.

ما أقوله اليوم بمناسبة تكريم هاني مصطفى سبق أن قلته للشيوعيين في آخر مؤتمر شاركت فيه:
كتب ناظم حكمت أجمل أشعار الحب لزوجته حين كان في السجن ، وحين نجحت حملات التضامن في إطلاق سراحه وجمع شمله مع رفيقة دربه خارج السجن والبلاد ، انقطع عن كتابة الشعر .
قيل في تفسير ذلك : إن الحلم يجترح المعجزات ، وإذا ما تحقق مات . ففي الحلم قلق ، وفي تحققه طمأنينة
في الحلم رغبة ، وفي تحققه اكتمال . هكذا ، حين يكتمل القمر ويصير بدرا ، يبدأ مشوار تناقصه .
وحده الله قال : اليوم أكملت لكم دينكم . غير أن ما يصح على عالم الغيب لا يصح علينا ، فلا القيادة إله أرضي ولا نحن رعاياها . والقيادة السياسية ، كل قيادة سياسية، تسعى لتجعل نفسها إلها إرضياً ، ولتكمل للرعية دينها، ثم تدعوها لاختيار قيادة على صورتها ومثالها .

أيها الشيوعيون ، لا تكونوا طوع بنان القيادة في المؤتمر ، بل ادخلوا في النقاش الحي والتفاعل المثمر معها، وافعلوا ذلك في ما بينكم ومع الآخرين .

لاتقولوا إن نصوص المشاريع رديئة لافتقارها إلى كذا وكذا ، ولا تتغنوا بها كأنها كلام الله لأنها كذا وكذا .
لا تجعلوا النصوص مقدسة ، بل فكروا بتطويرها لحظة انتهاء المؤتمر.
لا أدعوكم إلى التراجع عنها والانقلاب عليها، فنصوصنا كأولادنا، هي ليست ملكاً لنا ، إنها ملك الحياة .لا أدعوكم للتنكر لها بل دعوها تنمو وتكبر برعايتنا وبرعاية الحياة.

لا أدعوكم للتراجع عنها بل تحرروا منها ودعوها تتحرر منكم ، حتى لا نكون عبيدا لها وأصوليين ، ولطالما كنا أصوليين ، ولطالما أفرطنا في أصوليتنا .
لا تتنكروا لها ولا تتبرؤوا منها ، بل اجعلوا من النصوص حلما يحملنا على القلق ، قلق يشبه ما عناه المتنبي في قوله : على قلق كأن الريح تحتي .
القلق وحده هو مصدر الإبداع ، أما الكمال والاكتمال ففيهما موت أحلامنا .

أيها الشيوعيون
احذروا من تبشير الشيوعيين بأنهم ماركسيون ، وإن فعلتم فإنكم تجعلونهم ينامون على حريرالجهل. لا تطمئنوهم إلى ماركسيتهم ، دعوهم يقلقون عليها، حتى يدفعهم القلق إلى نبش ما في نفوسهم من قيم ومبادىء تشبه ماركس .
دعوهم يبتكرون نسخا خلاقة من ماركس، ويكتشفون بأنفسهم أن ماركس المكتمل مات، وأن قيمه لم تمت ، وأن صورته الأولى ليست سوى منارة تهدينا إلى آلاف النسخ المبتكرة التي تجددها الحياة كل يوم ، وأن ماركس نفسه هوملهم هذا التجدد .

دعوهم يرددون مع ناظم حكمت :
أجمل طفل في العالم طفل لم يولد بعد
أجمل نهر في العالم نهر لم يجر بعد
…ثم قولوا من وحي كلامه :
أحسن قيادة للحزب تلك التي لم تنتخب بعد

دعوهم يكتشفون بأنفسهم أن ما قرأناه عن ماركس لم يجسد لنا ماركس الحقيقي بأحلامه الجميلة وقيمه النبيلة وعلمه الوفير وخياله الخلاق ، وادعوهم إلى إعادة قراءة ماركس واتركوا لهم حينئذ أن يختاروا بأنفسهم الصفة المناسبة ، وأن يقولوا وحدهم ، دون أن نملي عليهم ، ما إذا كانوا ماركسيين أم لم يكونوا .
إذاك فحسب لا يدخل المثقفون إلى رحاب الحزب بصفتهم خونة لطبقاتهم ، حيث لا تكفي أطنان من النضال لتبييض صفحتهم ، ولتحويلهم من خونة إلى مناضلين . إذاك فحسب ، يدخل الشيوعيون إلى الحزب باعتبار كل واحد منهم مشروع مثقف .
ولا تقولوا للشيوعيين إنهم لينينيون أو ستالينيون أو ماويون أو تروتسكيون . إن قلنا ذلك ففي لاوعينا صورة مكتملة عن هؤلاء العظماء من الثوريين ، لكن لينين المكتمل مثل ستالين المكتمل ، مثل ماركس المكتمل ، وهؤلاء جميعا حين اكتملوا ماتوا . دعونا نراهم في صورهم المجتزأة : لينين قائدا لثورة مظفرة عام 1917 وبانيا حزبا ديمقراطيا من طراز فريد وجديد ، جديد على أيامه فحسب ، وستالين بانيا أسس الانتصار التاريخي على النازية ، الخ …
لاتستحضروا من اللينينية مركزيتها الصارمة ، ففي رحمها مات الحلم الديمقراطي ، ولا من الستالينية حديديتها فتحت أثقالها قضى من قضى في محاكم التفتيش التقدمية .
قولوا للشيوعيين أن هؤلاء العظماء في حركة الثورة هم تاريخنا ، ومن رحمهم نبتنا ، لكننا لسنا نسخا متكررة عنهم ، فلا التاريخ يتكرر ولا العظماء ، وإن حصل فعلى صورة مهزلة .
لا تقولوا للشيوعيين إننا ننطق باسم جماهير الشعب والأمة ، بل ادعوهم إلى أن يزنوا بالعلم والموضوعية حجم من يمثلون ، وأن يبتعدوا عن الادعاء وتكبير الكلام ، واتركوهم يحسون بنبض الجماهير . اتركوا هذا النبض حلما وقلقا ، إذاك تصبح الجماهير حليفا أول ، أو معيارا أول في صياغة التحالفات .
قولوا لهم إن ثمانين عاما من عمر الحزب ليست مجرد رقم زمني يعيرنا المجدفون بطوله ، بل هي صفحات من تاريخ زاخر بالمنحزات ، غني بأسماء مناضلين روت دماؤهم تربة هذا الوطن ، ولألأت أسماؤهم قادة نقابيين وفلاسفة وعلماء ، كتابا وشعراء وفنانين ، هتافين في التظاهرات ، متفانين في الدساكر والقرى والمدن ، في المزارع والمعامل والمصانع ، من أجل العلم والخبز و الحرية …وأن وأن وأن … وأننا ماضون في استكمال هذا التاريخ …
قولوا لهم أن المستقبل لا يبنى بغير التواصل مع هذا التاريخ ، وأن حاجتنا إليه لاتقل عن حاجتنا إلى التنوع الضروري والاختلتحرير العقول قبل تحرير فلسطين
محمد علي مقلد 10-9-2024
كتب أحدهم على إحدى المنصات في وسائل التواصل:
“القيادات اللبنانية والعربية التي لا توعي جمهورها ولا تحرضه على العدو الصهيوني هي قيادات مشكوك بأهليتها وبوطنيتها”.
لفتني في هذا النص نزوع صاحبه إلى الشك “بأهلية ووطنية” كل صاحب رأي مختلف، وهو تقليد شاع زمن الممانعة يوم عز النقد وساد شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. كتبت تعليقاً على هذا الأسلوب الشتائمي النابع من الفرمان الاستبدادي، “لا تفكروا فنحن نفكر عنكم”، وضمنته مقدمة وثلاث إشارات:
“إسرائيل عدو، لأنها كيان عنصري يتنافى وجوده مع قيم العصر، ولأنها… ولأنها. ولكن…
١- لم نعد نحتاج الى حروب إضافية لنثبت ذلك
٢- من قضى على أسباب تطورنا هو استبداد الأنظمة واستبداد الأحزاب السياسية والدينية
٣- بات من الضروري البحث عن أشكال جديدة من المواجهة مع هذا العدو تختلف عن تلك التي انتهت بنكبة ٤٨ وبنكبة طوفان الأقصى وبالبكاء الدائم بين النكبتين”
في عصر ذلك اليوم اجتمع شيوعيون سبعينيون بمناسبة تكريم المناضل السبعيني هو الآخر، هاني مصطفى. احتفال رائع جمع شمل “رفاق الزمن الجميل”، بحسب تعبير أحدهم، من المنتظمين في صفوف الحزب أو من المقيمين على ضفافه طوعاً أو قسراً والحالمين كلهم بوطن حر وشعب سعيد.
لفتت نظري عبارة “الزمن الجميل”، ولفت نظري غياب جيل الشباب عن الاحتفال وعتبٌ عليّ على كلامٍ قلته عن المقاومة، والمقصود هذا الكلام أعلاه، مع أنني لم أستخدم مصطلح المقاومة في كتاباتي منذ غاب زمنها الجميل، ولفت نظري أيضاً غياب صانع هذا الزمن الجميل عن الاحتفال، زمن الرفاق وزمن المقاومة، الشهيد جورج حاوي.
رأيت في وجوه المحتفلين فرحاً استثنائياً وحنيناً إلى استعادة ذلك الزمن الجميل، ورغبة في الغناء مع فيروز شعراً أندلسياً: هل تستعاد أيامنا في الخليج وليالينا؟ لكن، لكل زمان دولة ورجال ولكل زمان جماله وصناع جماله. السبعينيون المتحلقون حول المكرم هم من سلالة الزمن الجميل الذي صنعه قادة كبار ومناضلون ناهزوا العشرين ألفاً وحولهم عشرات الألوف من المؤيدين والمشجعين.
زمن جميل آخر ثمراته جمول وبطولات ومقاومون بذلوا أنفسهم لا طمعاً بجنة في السماء بل من أجل تحرير الوطن من الاحتلال ومن الاستبداد.
لا زمن جميل من غير وحدة الحزب ووحدة الوطن. ولا زمن جميل من غير جيل جديد من شباب وصبايا صنعوا الثورة مثلما سبق لهم أن صنعوا المقاومة. لن تستعاد أيامنا بشد التاريخ إلى الوراء بل بفتح أبواب جديدة نحو المستقبل. التاريخ أقوى من الحنين إلى ماض مضى. لا الاتحاد السوفياتي سيعود ولا عصر الخلافة.
انتهت حروب إثينا واسبرطة لكن فلاسفة اليونان ما زالوا أحياء في برامج التعليم وفي عقول الأجيال. التجربة الاشتراكية انهارت لكن ماركس مازل أكثر المفكرين تأثيراً في الفكر السياسي المعاصر. كتب إبن رشد التي أحرقها الحكام الجهلة المستبدون ظلت الجسر الذي عبرت عليه الحضارة من الشرق إلى الغرب.
التاريخ لا يستعاد وهو أيضاً لا يتكرر، وإن تكرر فمأساة أو مهزلة. هذا ما قاله المعلم ماركس. ننظر إلى الماضي، على ما قال جورج حاوي، كالسائق ينظر في المرآة لكي يعرف كيف يقود سيارته إلى الأمام.
الماضي لنتعلم منه لا لنكون أسراه. طيلة عقود من الزمن ناضلنا في ظل اعتقادنا أن عصرنا هو عصر الانتقال إلى الاشتراكية. الحياة أقوى من جميع أفكارنا على ما قال ماركس. انهارت التجربة لكن فكرة العدالة لم تمت، فهي كانت قبل الاشتراكية وستبقى بعدها. وعلى مدى كل الأزمان ما زالت البشرية تناضل لتحقيق العدالة ومن أجل الحرية.
الزمن الجميل الآتي هو الزمن الذي لا يرغم فيه شبابنا على الهجرة والذي يتمكن فيه الجيل الجديد من إعادة بناء الوطن سيداً حراً مستقلاً والدولة دولة القانون والمؤسسات والكفاءة.
هذا ليس تخلياً عن الشعارات الثورية الموروثة. النضال من أجل الحرية والديمقراطية أكثر كلفة وأصعب من النضال في سبيل الاشتراكية. وتحرير العقل من الجمود أصعب بكثير من تحرير فلسطين.

ما أقوله اليوم بمناسبة تكريم هاني مصطفى سبق أن قلته للشيوعيين في آخر مؤتمر شاركت فيه:
كتب ناظم حكمت أجمل أشعار الحب لزوجته حين كان في السجن ، وحين نجحت حملات التضامن في إطلاق سراحه وجمع شمله مع رفيقة دربه خارج السجن والبلاد ، انقطع عن كتابة الشعر .
قيل في تفسير ذلك : إن الحلم يجترح المعجزات ، وإذا ما تحقق مات . ففي الحلم قلق ، وفي تحققه طمأنينة
في الحلم رغبة ، وفي تحققه اكتمال . هكذا ، حين يكتمل القمر ويصير بدرا ، يبدأ مشوار تناقصه .
وحده الله قال : اليوم أكملت لكم دينكم . غير أن ما يصح على عالم الغيب لا يصح علينا ، فلا القيادة إله أرضي ولا نحن رعاياها . والقيادة السياسية ، كل قيادة سياسية، تسعى لتجعل نفسها إلها إرضياً ، ولتكمل للرعية دينها، ثم تدعوها لاختيار قيادة على صورتها ومثالها .

أيها الشيوعيون ، لا تكونوا طوع بنان القيادة في المؤتمر ، بل ادخلوا في النقاش الحي والتفاعل المثمر معها، وافعلوا ذلك في ما بينكم ومع الآخرين .

لاتقولوا إن نصوص المشاريع رديئة لافتقارها إلى كذا وكذا ، ولا تتغنوا بها كأنها كلام الله لأنها كذا وكذا .
لا تجعلوا النصوص مقدسة ، بل فكروا بتطويرها لحظة انتهاء المؤتمر.
لا أدعوكم إلى التراجع عنها والانقلاب عليها، فنصوصنا كأولادنا، هي ليست ملكاً لنا ، إنها ملك الحياة .لا أدعوكم للتنكر لها بل دعوها تنمو وتكبر برعايتنا وبرعاية الحياة.

لا أدعوكم للتراجع عنها بل تحرروا منها ودعوها تتحرر منكم ، حتى لا نكون عبيدا لها وأصوليين ، ولطالما كنا أصوليين ، ولطالما أفرطنا في أصوليتنا .
لا تتنكروا لها ولا تتبرؤوا منها ، بل اجعلوا من النصوص حلما يحملنا على القلق ، قلق يشبه ما عناه المتنبي في قوله : على قلق كأن الريح تحتي .
القلق وحده هو مصدر الإبداع ، أما الكمال والاكتمال ففيهما موت أحلامنا .

أيها الشيوعيون
احذروا من تبشير الشيوعيين بأنهم ماركسيون ، وإن فعلتم فإنكم تجعلونهم ينامون على حريرالجهل. لا تطمئنوهم إلى ماركسيتهم ، دعوهم يقلقون عليها، حتى يدفعهم القلق إلى نبش ما في نفوسهم من قيم ومبادىء تشبه ماركس .
دعوهم يبتكرون نسخا خلاقة من ماركس، ويكتشفون بأنفسهم أن ماركس المكتمل مات، وأن قيمه لم تمت ، وأن صورته الأولى ليست سوى منارة تهدينا إلى آلاف النسخ المبتكرة التي تجددها الحياة كل يوم ، وأن ماركس نفسه هوملهم هذا التجدد .

دعوهم يرددون مع ناظم حكمت :
أجمل طفل في العالم طفل لم يولد بعد
أجمل نهر في العالم نهر لم يجر بعد
…ثم قولوا من وحي كلامه :
أحسن قيادة للحزب تلك التي لم تنتخب بعد

دعوهم يكتشفون بأنفسهم أن ما قرأناه عن ماركس لم يجسد لنا ماركس الحقيقي بأحلامه الجميلة وقيمه النبيلة وعلمه الوفير وخياله الخلاق ، وادعوهم إلى إعادة قراءة ماركس واتركوا لهم حينئذ أن يختاروا بأنفسهم الصفة المناسبة ، وأن يقولوا وحدهم ، دون أن نملي عليهم ، ما إذا كانوا ماركسيين أم لم يكونوا .
إذاك فحسب لا يدخل المثقفون إلى رحاب الحزب بصفتهم خونة لطبقاتهم ، حيث لا تكفي أطنان من النضال لتبييض صفحتهم ، ولتحويلهم من خونة إلى مناضلين . إذاك فحسب ، يدخل الشيوعيون إلى الحزب باعتبار كل واحد منهم مشروع مثقف .
ولا تقولوا للشيوعيين إنهم لينينيون أو ستالينيون أو ماويون أو تروتسكيون . إن قلنا ذلك ففي لاوعينا صورة مكتملة عن هؤلاء العظماء من الثوريين ، لكن لينين المكتمل مثل ستالين المكتمل ، مثل ماركس المكتمل ، وهؤلاء جميعا حين اكتملوا ماتوا . دعونا نراهم في صورهم المجتزأة : لينين قائدا لثورة مظفرة عام 1917 وبانيا حزبا ديمقراطيا من طراز فريد وجديد ، جديد على أيامه فحسب ، وستالين بانيا أسس الانتصار التاريخي على النازية ، الخ …
لاتستحضروا من اللينينية مركزيتها الصارمة ، ففي رحمها مات الحلم الديمقراطي ، ولا من الستالينية حديديتها فتحت أثقالها قضى من قضى في محاكم التفتيش التقدمية .
قولوا للشيوعيين أن هؤلاء العظماء في حركة الثورة هم تاريخنا ، ومن رحمهم نبتنا ، لكننا لسنا نسخا متكررة عنهم ، فلا التاريخ يتكرر ولا العظماء ، وإن حصل فعلى صورة مهزلة .
لا تقولوا للشيوعيين إننا ننطق باسم جماهير الشعب والأمة ، بل ادعوهم إلى أن يزنوا بالعلم والموضوعية حجم من يمثلون ، وأن يبتعدوا عن الادعاء وتكبير الكلام ، واتركوهم يحسون بنبض الجماهير . اتركوا هذا النبض حلما وقلقا ، إذاك تصبح الجماهير حليفا أول ، أو معيارا أول في صياغة التحالفات .
قولوا لهم إن ثمانين عاما من عمر الحزب ليست مجرد رقم زمني يعيرنا المجدفون بطوله ، بل هي صفحات من تاريخ زاخر بالمنحزات ، غني بأسماء مناضلين روت دماؤهم تربة هذا الوطن ، ولألأت أسماؤهم قادة نقابيين وفلاسفة وعلماء ، كتابا وشعراء وفنانين ، هتافين في التظاهرات ، متفانين في الدساكر والقرى والمدن ، في المزارع والمعامل والمصانع ، من أجل العلم والخبز و الحرية …وأن وأن وأن … وأننا ماضون في استكمال هذا التاريخ …
قولوا لهم أن المستقبل لا يبنى بغير التواصل مع هذا التاريخ ، وأن حاجتنا إليه لاتقل عن حاجتنا إلى التنوع الضروري والاختلاف في الرأي ، الاختلاف الذي قال فيه مهدي عامل : الموت في التماثل والاختلاف حياة الزمان
مهما تنوعت أفكارنا ، ومهما أفرطت الحقائق في نسبيتها ، فإن اثنتين من الحقائق ماثلتان في الوعي الشيوعي
الأولى هي أن الرأسمالية ليست نهاية التاريخ ، بل هي أسوأ مراحله وأكثرها شرورا .أما الحقيقة الثانية فهي أنه بمقدار ما تعفينا الرأسمالية من إثبات شرورها فقرا و جوعا وحروبا ، بمقدار ما تحملنا أحلامنا على القلق وتحفزنا الاشتراكية على إعادة الاعتبار لقيمها الجميلة ومثلها السامية ، يدا بيد مع كل الشرفاء من أهل اليسار والاشتراكية والتقدم والعلمانية .
تعالوا نبحث كيف ؟!

اف في الرأي ، الاختلاف الذي قال فيه مهدي عامل : الموت في التماثل والاختلاف حياة الزمان
مهما تنوعت أفكارنا ، ومهما أفرطت الحقائق في نسبيتها ، فإن اثنتين من الحقائق ماثلتان في الوعي الشيوعي
الأولى هي أن الرأسمالية ليست نهاية التاريخ ، بل هي أسوأ مراحله وأكثرها شرورا .أما الحقيقة الثانية فهي أنه بمقدار ما تعفينا الرأسمالية من إثبات شرورها فقرا و جوعا وحروبا ، بمقدار ما تحملنا أحلامنا على القلق وتحفزنا الاشتراكية على إعادة الاعتبار لقيمها الجميلة ومثلها السامية ، يدا بيد مع كل الشرفاء من أهل اليسار والاشتراكية والتقدم والعلمانية .
تعالوا نبحث كيف ؟!