محمد علي مقلد
الحوار المتمدن-العدد: 8137 – 2024 / 10 / 21 – 20:51
تصريح نبيه بري، هل هو زلة أم خطأ في التعبير أم مكابرة؟ “زيارة هوكشتاين هي الفرصة الأخيرة أمام واشنطن للتوصل إلى حل قبل الانتخابات الأميركية”. أغلب الظن أن عبارة “قبل الانتخابات الأميركية” هي المفتاح لتفسيره. غير أن سلوك الشيعية السياسية، معطوفاً على التدخل الإيراني في صياغة الاتفاقات والتصريحات، يرجح كفة سوء الظن بالتعبير ويحيل إما إلى عدم الدقة في اختيار المفردات إما إلى الاستمرار في المكابرة.احتمال رابع، أن تكون واحدة من مناورات بري المكشوفة، وهو احتمال أقبح من ذنب، لأن المدارس الدبلوماسية تدرب طلابها على اختيار الكلمات قبل اتخاذ المواقف، ولذلك لا يحتاج كبار القادة إلى كلام كثير للتعبير عن مواقف كبيرة. فالفكرة الواضحة في الذهن، بحسب أحد الأدباء الفرنسيين، يتم التعبير عنها بطلاقة، أما الارتباك في الأفكار فسرعان ما ينتقل إلى اللسان ويصير تلعثماً.
الثلاثي بري ميقاتي جنبلاط صرّح، والإيراني الذي لا يتقن لغة الدبلوماسية أحدث بلبلة، حين لم يكتف بتعديل لغوي بل فرض تبديلاً في الموقف، ما أضعف صدقية أي كلام لبناني يصدر من غير استئذان صاحب قرار الحرب والسلم، رغم المطالبة الحكومية الصريحة بتخفيف العاطفة الإيرانية تجاه لبنان.
احتمال المكابرة هو الأرجح بعد أن انتقلت الحرب من الطوفان والمساندة وشمال الليطاني إلى ما بعد بعد حدود غزة ولبنان. المكابرة تضعك أمام خيارات مغلوطة، الاستسلام مثلاً أو انتصار الدم على السيف. لا هذا ولا ذاك بل إنقاذ البلاد والعباد من وحشية “شعب الله المختار” وإجرام الصهيونية بحق “الفرقة الناجية” من “خير أمة أخرجت للناس”. فالصراع على مصير فلسطين لم يكن في أي وقت صراعاً دينياً أو من حروب التبشير.
يحملنا على التفسير بالمكابرة استمرار الربط بين المساندة والطوفان، بين انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية ووقف إطلاق النار هنا وهناك. من يضمن ألا تتسع حدود الربط لتطال حماية النفط الإيراني والمنشآت النووية؟ ومن يضمن ألا تفضي المكابرة إلى المطالبة بتعطيل الانتخابات الرئاسية في أميركا، أو تأجيلها على الأقل، أسوة بلبنان، حتى “لا تفوت واشنطن الفرصة”. إن كانت هذه مبالغة فهي بنت المكابرة. أليس كذلك؟
يسأل قاسم قصير عما إذا كان رفض الظلم ومساعدة الفقراء جريمة، عما إذا “كانت جريمتنا(يقصد الشيعة) أننا وقفنا في وجه الاحتلال الاسرائيلي ودافعنا عن أرضنا وحررناها”. هذه وتلك من المآثر. أما الخطأ الفادح الذي ارتكبته الشيعية السياسية فهو أنها احتكرت النطق باسم الشيعة وحمّلت الطائفة مشروعاً ما دون الوطني، لأنه طائفي، وما فوق الوطني لأنه ديني، فيما الواجب الوطني كان يقضي بإهداء التحرير إلى الشعب اللبناني والانخراط في إعادة بناء الوطن والدولة. عندما يتكرر الخطأ يتحول إلى خطيئة وإذا تكررت الخطيئة تغدو بمثابة الجريمة.
الفرصة ما زالت متاحة أمامنا، لا أمام واشنطن، يا دولة الرئيس، لوقف حمام الدم اللبناني وحفلة الجنون الصهيوني ومكابرة الشيعية السياسية. هي فرصتنا لوضع قطار الحل على سكته، بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة على غير أسس المحاصصة، تكون أولى مهماتها إعادة اللبنانيين إلى بيوتهم وقراهم وأرزاقهم، كخطوات أولى على طريق إعادة الطوائف إلى رشدها الوطني وإقفال باب المشاريع الفئوية بالشمع الأحمر.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان