20 أبريل، 2024

شاعر الريح والدم والماء والطير

12 أيلول 2022

https://www.nidaalwatan.com/article/107420

في ستينات القرن الماضي بدأ ينشد شعره من على منابر الأندية الثقافية والحسينيات في الجنوب. في بدايات السبعينات التقى شعراء كثيرون من الجنوب على منصة نادي الشقيف “اليساري” في حينه، لمع إسمه في المهرجان ما جعل أحد المشاركين من أنسبائه يعتزل كتابة الشعر واليسار ويهرب إلى أحد التنظيمات الأصولية.

التقيته في المرة الأولى حين دعوته باسم نادي جرجوع مع شريكه موسى شعيب فألقيا من شعرهما في الهواء الطلق، أمام متذوقي الشعر من كل القرى المجاورة. والتقيته في الثانية مع مهدي عامل والياس شاكر في مجلة الطريق، ليتلو على مسامعنا قصيدته “أربعة وجوه في مرآة مكسورة”، فتكون مادة لقراءة نقدية.

في تلك الفترة كان المبدعون يحومون في فضاء الماركسية، غير أن الميول الأصولية لدى نقاد الواقعية الاشتراكية جعلتهم ينحازون إلى المحازبين من الشعراء ويتعصبون لهم ضد سواهم، ولم يكن محمد علي محازباً فابتعد واختار العودة إلى أصوله الأولى كسليل عائلة برز منها عدد من الرموز والفقهاء الشيعة.

لقائي الثالث معه دام طويلاً حين أعددت دراستي الجامعية عن “الشعر والصراع الإيديولوجي في لبنان” من بداية الستينات إلى بداية الثمانينات، أي في الفترة التي خفت فيها صوت مجلة شعر وظهرت مجلة مواقف، والتي بدأ يلمع فيها نجم “شعراء الجنوب” إلى جانب شعراء لبنانيين آخرين، وكان شاعرنا واحداً منهم إلى جانب موسى شعيب ومحمد عبدالله وحسن عبدالله وحمزة عبود والياس لحود وشوقي بزيع وعباس بيضون، وسواهم.

تعليق القارئ الفرنسي على النصوص المترجمة في الدراسة أكد لي ما قاله محمد علي شمس الدين عن ترجمة الشعر في سياق كلامه عن شيرازياته. فهو لا يعتقد، من حيث المبدأ، “أن الشعر يمكن ان يترجم من لغة إلى أخرى. لان الشعر مغامرة كبيرة وغامضة في الوجود وفي اللغة في وقت واحد”. ولذلك فالشيرازيات، بحسب ما يقول، عبارة عن “قصائد عربية جديدة مؤسسة على معان عشقية ووحدة وجود وخمرة إلهية، وما الئ ذلك مما يضاف من اسرار يصعب وصفها، موجودة لدى حافظ وموجودة في وجداني في وقت واحد”.

القارئ الفرنسي لم يتأثر بالمقاطع المترجمة من شعره بقدر ما تأثر بسواها، ذلك لأن الشعر هو “حارس اللغة” ولأن القصيدة أصل وجودي للغة” بحسب تعبير شمس الدين، ولأن الكلام عن موسيقى الشعر لا يفهم خارج الجرس والإيقاع اللذين تحدثهما أصوات الحروف، ومحمد علي كان بارعاً باستخدامها والتلاعب بنغماتها وكأي عازف على أوتارها.

فسر ذهابه إلى الشيرازيات بأن “الشعر العربي المشغول بالحداثة ونظرياتها ونصوصها الشعرية، منفتح على الرياح الغربية وحدها، فالحداثة الغربية هي المثال والنموذج وقليلا ما تم التفات نحو المشرق وشعرياته ونظرياته”. لم تكن الشيرازيات استكمالاً شرقياً لالتفاتة الشعراء نحو الغرب، بل ربما تكون في الوقت ذاته تعبيراً عن تمدد الوهج الثقافي والسياسي الإيراني وتأثيره على الذاكرة الشيعية التي عبر عنها شمس الدين في أكثر من قصيدة ومنها قوله “لأزرعنّ طريق الطّفّ ريحاناً”.

قيل في شعره أنه شعر الدم والماء والطير والريح لأنها أكثر المفردات وروداً في دواوينه، ومثل هذا الإحصاء يتفرد به المنهج البنيوي ومنهج التحليل اللغوي ومصطلحات الألسنية، وهي تجمع على أنه مبدع في استخدام اللغة خيالاً وإيقاعاً .

مواضيع ذات صلة