23 نوفمبر، 2024

برنامج الثورة ينتخب قيادتها

20 حزيران 2020

عند السؤال عمّن تسبّب بأزمة الوطن، وهدّد مصيره ووضعه على شفير الإنهيار، ووضع الدولة على حافة الإفلاس، توزّع المحلّلون بحسب الإنتماء السياسي، وتحوّلت الإجابات إلى أحكام من غير مُحاكمات. حين رفعت الثورة شعار”كِلُن يعني كِلُّن”، حسبه الجُناة منجاة لهم، لأنّ الظلم بالسويّة عدل بالرعية، وحاولوا التملّص بالتشديد على أوزار السياسات السابقة، ويقصدون الحريرية، ولم يتخلّوا عن تشغيل هذه الأسطوانة بأنفسهم، إلا بعدما اطمأنّوا إلى وجود من يقوم بتشغيلها، بالنيابة وبالأصالة.

تعيين المسؤول عن الأزمة هو جزء من التشخيص السليم لها. ومن الطبيعي أن يُفضي التشخيص المغلوط إلى علاج غير مُجدٍ، إن لم يكن مؤذياً. تبسيطاً للأمر، نزعم مع الزاعمين أن لبنان دخل في أزمةٍ يوم انزلق إلى دوّامة الحرب الأهلية، أي منذ خمسة عقود لا ثلاثة، وفي هذه الحالة، لا تنحصر المسؤولية بمن تولّى الحكم منذ الطائف، بل تتعدّاهم إلى كل من اشترك في الحرب الأهلية، يميناً ويساراً، قِتالاً وتمويلاً وتسليحاً، وإلى كل أنواع التدخّل الخارجي التضامني أو الأخوي أو الدموي، الإعلامي أو المالي أو العسكري. إلى هناك، تمتدّ جذور المسؤولية، فهل تُجدي معالجة الجذور في حلّ أزمته الراهنة؟

غير أنّ أزمة ما بعد الطائف لا تُشبه أزمة ما قبله، وإن كانت من سُلالتها، وهي قبل اغتيال الحريري ليست كما بعده. هناك إذاً الثابت والمتغيّر في أزمة الوطن المُمتدّة. الثابت منذ 13 نيسان 1975 وحتى لحظات الإنهيار الحالية، هو تراجع دور الدولة وتضخّم دور الميليشيات، أو هو صراع كرّ وفرّ بينهما انتهى في مرحلته الأولى، مرحلة الحرب الأهلية، بهزيمة الدولة والميليشيات معاً، وباتفاق الطائف الذي حاول إعادة الإعتبار لمؤسسات الدولة. غير أن العقل الميليشيوي انتقل، بعد الطائف، إلى العمل داخل الدولة، بدعم كامل من نظام الوصاية، بعدما كان في صراع معها من خارجها، وتمكّن بعد اغتيال الحريري من السيطرة على كل مفاصلها، وهذا هو المتغيّر الجذري الذي لم تشهد له الأزمة شبيهاً، منذ انفجارها في عين الرمانة.

من دون النظر إلى هذا المُتغيّر الجذري، يصعُب البحث عن حلّ للأزمة. الميليشيات تُحاول طمس هذا المتغيّر الجوهري، وتوهم نفسها والشعب اللبناني بأن المرحلة الراهنة من الأزمة، ليست سوى استمرار للصراع مع نهج الحريري المالي والنقدي والإقتصادي، مع أن نهج الحريري الأب انتهى باغتياله، لتدخل الأزمة في طورٍ جديد، سِمته الأساسية هزيمة الدولة وسيطرة الميليشيات المسلّحة وغير المسلّحة على مؤسسات الدولة، ومقدّراتها السياسية والمالية والإدارية.

هذا بالضبط ما أنجزته الثورة حين وضعت إصبعها على الجرح الوطني، فحدّدت برنامجها منذ اليوم الأول، وطالبت بالعودة إلى الدستور والقانون وإنهاء السطو الميليشيوي على زمام الدولة وإعادة تشكيل السلطة. إن الالتزام بمضمون هذا البرنامج هو الأساس الذي تستند الثورة إليه، لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وانتخاب قيادتها واستئناف مسيرتها.