22 نوفمبر، 2024

الثابت والمتحوّل في انتخابات 2022لا تجيبوا على أسئلة مفخخة

9 تموز 2022

Add New Post ‹ د. محمد علي مقلّد — WordPress (drmoukaled.com)

عليك أن تقول كلاماً تشتم فيه الإمبريالية والصهيونية والمملكة وإلا فأنت عميل لإحدى هذه الجهات. هذا منطق «حزب الله» الذي يسمح لنفسه بأن يحاسبك إن لم تكرر خطابه كالببغاء حتى في أحلامك الليلية.

عليك أن تصوب على «حزب الله» وعلى سلاحه غير الشرعي وعلى الاحتلال الإيراني وإلا فأنت من أهل الممانعة. هذا منطق «السيادي» الذي يقف تفسيره لانتهاك السيادة عند حدود مخالفة القوانين، وهي بالضبط خطيئة «حزب الله» بحق الدولة، فيما انتهاك الدستور أكثر خطورة، وهي بالضبط خطيئة منتهكيه من أهل السلطة.

عليك أن تحمّل رفيق الحريري والدين العام وحاكم المصرف المركزي مسؤولية وضع البلاد على باب جهنم وإلا فأنت لا تمثل المسيحيين ولا تحسن الدفاع عنهم، أو أنك من أنصار الاقتصاد الحر ومن المرتدين عن دين الاشتراكية. هذا منطق المرضى والأصحاء في التيار العوني ومنطق المتحدرين من تركة الاتحاد السوفياتي الذين لم يشفوا بعد من نظرية المؤامرة الإمبريالية.

إياك أن تشارك في مؤتمر يكون بين الحضور فيه يهودي أو ممثل لحلف الأطلسي. وحده ممثل السلطة في إيران أو في سوريا يملك هذا الحق. مع أن الشاعر أدونيس مدح الثورة الإيرانية وشتم الثورة السورية فقد تقرر طرده من اتحاد الكتاب العرب عقاباً له على حضور مؤتمر عن الشعر في إسبانيا لأن بين الحاضرين شعراء يهوداً.

إنها فلسفة المثنى، إما أسود إما أبيض. لا محل للرمادي أو لأي خيار ثالث. هي الثنائية ذاتها الموروثة من انقسامات قديمة، 14 و8 آذار، مسلم/ مسيحي، حركة وطنية وجبهة لبنانية، حلف ونهج أيام الشهابية، إتحاد سوفياتي وإمبريالية أميركية، رأسمالية وشيوعية، وهي كلها مشتقة من الثنائية الدينية الأصلية المعروفة، ملاك وشيطان، إلحاد وإيمان. باختصار، إما أن تكون معي وإلا فأنت ضدي. ليس لهذا من معنى سوى إلغاء الآخر.

رداً على هذه الثنائية قلنا في مناسبة سابقة، «بين الانبطاح أمام النظام السوري ومعاداته هناك خيار ثالث. بين أن يكون المرء طائفياً ومذهبياً أو معادياً للطوائف هناك خيار ثالث. بين أن يكون المرء عربياً ضد الوطن أو وطنياً ضد العروبة هناك خيار ثالث. بين أن يكون مع المقاومة شتاماً لخصومها أو مع خصومها شتاماً لها هناك خيار ثالث، بين أن يكون متزمتاً دينياً أو هرطوقياً هناك خيار ثالث. إن الخيار الثالث هو البديل الوحيد عن تطرفين، والأمثلة لا تحصى ولا تعد» (من كتاب الشيعية السياسية).

مناسبة هذا الكلام انشغال الأقربين والأبعدين بأي كلمة تصدر عن نواب الثورة، وكأنهم وحدهم نواب الأمة، بل لأنهم الشجرة المثمرة التي ترمى بالحجارة. أو كأنه ليس في البرلمان من هو مطلوب للعدالة وليس فيه من كان يكتب تقريره اليومي لضابط المخابرات السورية زمن الوصاية، أو من كان يرضى بأن يخاطبه سيد عنجر بـ»يا حقير» أو من أطلق العبارة الشهيرة، «السيارة لا تتسع لحمارين»، أو من لم ينطق بأي حرف خلال إقامته الطويلة في البرلمان، أو ليس فيه من انتخب ميشال عون لسدة الرئاسة أو من شارك في التشريع للهدر والفساد.

يترصد المنتقد تصريحاتهم وإطلالاتهم الإعلامية ليعثر على ما يراه خطراً في زلات الكلام، فيما الخطر كامن في أسئلة مفخخة لم تتوفر لها إجابات صحيحة على مدار حروبنا الأهلية، لأنها أسئلة للقسمة لا للجمع، ولأن من المستحيل أن يقدم المرء جواباً صحيحاً على سؤال مغلوط.

المحاصصة هي الخطر الأكبر وهي نبع الأسئلة المغلوطة والمفخخة. آفة السلاح غير الشرعي لم تتأسس في زمن هيمنة «حزب الله» بل قبل ولادته، وتحديداً على أيدي من تحاصصوا سيادة الدولة في اتفاق القاهرة ثم في مرحلة الحرب الأهلية واستمروا يتحاصصونها بعد اتفاق الطائف. فما بالك إذا كان هؤلاء ما زالوا متمسكين بمنطق الثنائيات المغلوطة؟

إذا كان من المستحيل بناء الدولة بمنطق الطائفة الأقوى، فمن المستحيل أيضاً بناؤها بمنطق الأقوى في الطائفة، ومن المستحيل استعادتها إلا بقوة القانون وبالعودة دوماً إلى الكتاب، بحسب تعبير الرئيس شهاب، على عكس ما يفعله من ينبشون من التاريخ أسئلة للقسمة مشتقة من تلك الثنائيات المغلوطة.

نواب الثورة هم أبناؤها. هي وفرت لهم من أسباب القوة والمنعة ما جعلهم يستحقون نعتهم بممثلي الشعب اللبناني، فيما سواهم سعيد بتمثيل منطقته أو طائفته أو زعيمه. وهم أضافوا من مؤهلاتهم المهنية والأكاديمية ووحدة موقفهم وتنوع أدائهم ما جعلهم محصنين ضد الرغبة بتحويلهم إلى ممثلي الطائفة العلمانية التي سبق لها أن طالبت بحصة لها في الدولة أسوة ببقية الطوائف، لأن حصتهم هي الدولة كلها، أو إلى هتافين يكررون أجوبة شعبوية على أسئلة مفخخة معدة للقسمة لا للجمع على شاكلة السؤال عن المسيّرات أو عن الزواج المدني.

لكن، يا نواب الثورة، من يطرح عليكم مثل هذه الأسئلة ومن يريد أن يملي عليكم مثل تلك الإجوبة ليسوا كلهم إعلاميين مظللين أو مكلفين وليسوا كلهم خصوماً، بل إن من بينهم أصدقاء ومحبين يستحقون الإصغاء لملاحظاتهم.