29 مارس، 2024

الثابت والمتحول في انتخابات 2022نقد الثورة أم شتم نوابها؟

2 تموز 2022

https://www.nidaalwatan.com/article/90980

ليسوا جزءاً من الانقسامات والتصنيفات القديمة، لا هم 14 ولا 8 آذار، ولا هم حلف ونهج ولا جبهة لبنانية وحركة وطنية. هم مع السيادة الوطنية لكنهم ليسوا «سياديين»، مع التنوع والتعدد لكنهم ليسوا فدراليين، لا ينتمون إلى أي حزب من أحزاب المنظومة، لكنهم ليسوا حزباً، لأنهم فازوا بالمفرق. الجامع بينهم لم يكن برنامجهم الموحد للتغيير، بل غضب شعبي عارم ضد الفساد السياسي والمالي جعلهم يمثلون ثوار 17 تشرين مع أنهم لم يكونوا وحدهم في الثورة. هنا يقع السؤال المفصلي، لماذا هم دون سواهم؟ وعلى أساس الجواب ينبغي أن يحاسبوا.

كأن الانتخابات لم تسفر عن نجاح سواهم. على كل شفة ولسان، بالمفرد أو بالجمع. مديحاً أو هجاءً. يتلقون بصدور عارية لكن رحبة وجباه عالية وعقول راجحة اللوم والعتاب والنصائح والنقد البناء كما التجريح والشتائم. تطالهم سهام اليسار وسهام اليمين مع أنهما كل في فلك يسبحان.

انتخبناهم ليشكلوا نماذج جديدة للتمثيل الشعبي في البرلمان، واجبهم التشريع ومحاسبة الحكومة ومراقبتها وخضوعهم هم أيضاً للمراقبة والمحاسبة من قبل ناخبيهم. إذن من الطبيعي أن يتلقوا النقد، لكن بغير المعايير التي كانت سائدة قبل انتخابهم، بل بالمعايير ذاتها التي انتخبوا على أساسها.

سعد الحريري على اخطائه الفادحة، وشرائح واسعة من جمهوره ومحبيه كانوا مع الثورة ثم ضاعت أصواتهم في الانتخابات، وليد جنبلاط وشرائح واسعة من الحزب «الاشتراكي» لم يكونوا مع الثورة فحسب بل دعموا بعض مرشحيها في صناديق الاقتراع، حزب «الكتائب» كان بلا تحفظ جزءاً عضوياً من الثورة، لكن مرشحي الثورة هم الذين تحفظوا عليه. «القوات اللبنانية» كانت مع الثوار في الساحات لكنها ضدهم في صناديق الاقتراع. لولا بعض معايير مغلوطة في الثورة لاستحق النائب أسامة سعد أن يكون على رأس لائحة وطنية للمرشحين باسم الثورة، ثم على رأس كتلة من نوابها.

لا يمكن النظر إلى الثورة ونوابها بمعزل عن هذه التفاصيل، ومن بين هذه التفاصيل المهمة أن نوابها باتوا أشبه بفريق كرة سلة ألزم باللعب على ملعب كرة القدم وبقوانين هذه اللعبة؛ ومنها الفارق الجوهري بين وجودهم في ساحات الثورة أو على كراسي السلطة التشريعية.

إنه مأزق كل من ينتقل من الثورة إلى السلطة. هذا ليس من باب تبرير خطأ قد يحصل أو زلة، ولا من الأسباب التخفيفية، بل هو إحقاق للحق. ذلك أن بعض النقد، ولا سيما التجريحي منه، نابع من معايير سابقة على الثورة وعلى الانتخابات، يعتمدها المنتمون إلى الاصطفافات القديمة ذاتها، ومن آليات وتقاليد وضعها أرباب المناورات الفئوية والتحاصصية الموروثة من أيام الوصاية، أو من أيام الحرب الأهلية.

بعضهم يعلق الآمال في الاستشارات النيابية على بضعة عشر أو عشرين نائباً، مع أن أبطال المحاصصة وتعطيل المؤسسات وانتهاك الدستور أفرغوا الاستشارات من مضمونها منذ أول دورة انتخابية في عهد الوصاية، حين حولوها من ملزمة لرئيس الجمهورية إلى ملزمة للنواب، ولوَوْا عنق الدستور وجعلوا الميثاقية في الحكومة مرادفاً للمحاصصة المذهبية وصنفوا الوزارات وتوزعوها باعتبارها ملكيات حصرية لممثلي الطوائف، وجعلوا انتهاك الدستور تقليداً سائداً، فلا أحد ملزم باحترام المواعيد المحددة فيه لسن القوانين أو لتشكيل الحكومات أو لإصدار المراسيم.

أهل الحل والربط يقودون حافلة العهد نحو الجحيم الموعود، وهم متيقنون من أن تشكيل الحكومة صعب المنال، أياً تكن نتيجة الاستشارات، لذلك قرروا اختصار المماحكات وتقصير المسافة بين رئاسة تصريف ورئاسة تكليف. إنهم بأنفسهم حددوا نقطة التصويب، انتهاك الدستور، ولم يعد مجدياً التصويب على أخطاء المعارضة ونواب الثورة.

خطأ نواب الثورة، إن جاز لنا أن نحاكمهم قبل الأوان، هو في موافقتهم على الدخول في قواعد اللعبة، فيما المطلوب منهم العمل على تغييرها من الأساس، وهذا بالضبط ما نجحوا في فعله في انتخابات مكتب المجلس ولجانه حين فرضوا استبدال التوافق بصندوقة اقتراع.

مراقبة سلوك نواب الثورة ومحاسبتهم حق حصري لمن انتخبهم أو لمن كان متحمساً أو مؤيداً لانتخابهم ولو من بعيد، ولا معنى لأي نقد إن لم يكن من موقع الحرص على تنوعهم، فهم ليسوا حزباً ولا ينبغي لهم أن يتحولوا إلى حزب، وهم، إلى جانب فوزهم بالنيابة وقبله، بشر من لحم ودم لهم نسيجهم الاجتماعي وعلاقاتهم وخصوصياتهم وكفاءاتهم الأكاديمية والمهنية، ما يعني أن انتقاد مواقفهم وقراراتهم وتصريحاتهم ينبغي ألا يتحول إلى إسقاط المواقف عليهم دون أي اعتبار لتلك الخصوصيات.

ليس نقداً عادلاً ولا صائباً أن يرمى أحد نواب الثورة اعتباطاً بتهمة الانتماء إلى نظام الأجهزة أو أن تدان الثورة لأن أحداً زعم الانتماء إليها وسرعان ما فضح بنفسه انتماءه إلى جبهة الممانعة. مثل هذا النقد التجريحي هو لغة الشتامين.

أما نواب الثورة فمزاياهم وخصالهم الشخصية لم تكن كافية لهم لتأمين فوزهم لولا الثورة التي قدمت لهم الدعم، لكنها أورثتهم فضائلها ومثالبها أيضاً. ذلك يعني أن المطلوب من النقد ليس تصويب حال الأفراد الذين أفرزتهم الثورة بل تصويب مسار الثورة لكي تستمر وتتعلم من أخطائها.