28 شباط 2024
https://www.nidaalwatan.com/article/256938
كتّابنا
محمد علي مقلد
الزائد في حبّ القضية كالناقص
28 شباط 2024
02 : 00
فلسطين هي القضية. «حزب الله» ليس أول من بالغ في حبه لها. سبقته إلى ذلك أنظمة وأحزاب زادت في حب القضية «حتى انفلقت». النظام السوري حاول أن يضم منظمة التحرير إلى صدره لا لأنه يهيم بها بل ليخنقها، بحسب عبارة الأديب المسرحي الفرنسي راسين.
اليسار اللبناني بذل لحمايتها ودفاعاً عنها المال والنفوس والدولة والوطن، وعينه لا على تغيير النظام السياسي في لبنان وحده، بل على قيام حركة تحرر وطني عربية تكون موضع ثقة الأحلام الأممية وتقديرها.
«حزب الله» أفرط في حبها حتى التفريط بساحتها وبوحدة الساحات وبالوحدة الوطنية اللبنانية. تآخى مع أشقائه بالرضاعة في العراق وفي اليمن، وباسمها جاب أرجاء القارات كلها، وارتقى شهداؤه على طريق القدس، محطتهم الأولى قبل سدرة المنتهى. وعندما ناداه المنادي ليكون الصديق وقت الضيق قرر انتظار التسوية في غزة ليفك أسر الجمهورية في لبنان، والله أعلم.
هذا كله في حساب الزائد. حساب الناقص يجسده ندم النظام السوري إياه، الذي لم ينبس ببنت شفة حيال الإبادة الوحشية التي تتعرض لها غزة، ربما لأنّ براميله كانت أكثر وحشية، فيما صحّافوه، نسبة إلى الصحّاف العراقي، ما زالوا يتوعدون إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور عندما يحين الزمن المناسب في القادم من الأجيال.
يجسده كذلك حال اليسار الذي انزوى بعضه واعتزل القضايا، فيما تمسك بعضه الآخر بتراث شتائمي يرشق به الصهيونية والإمبريالية وعملاءها ويدين التطبيع ويتحسر على ماضيه مع الممانعة ويحن إليه، ولا من يستجيب. هذا كل ما ملكت يداه من أشكال التضامن مع القضية وشعبها ومقاومتها.
ويجسده من ينسل يده من القضية ويتبرأ منها مغلفاً آراءه ومواقفه بشعارات عنصرية يستعيد فيها بعض ما قيل خلال الحرب الأهلية اللبنانية، لبنان للبنانيين، حروب الآخرين على أرضنا؛ ويضيف إليها مفاهيم عن السيادة والحياد في العلاقات الدولية والنأي بالنفس عن قضية العرب الأولى، قضية فلسطين. الزائد أخ الناقص. والصحيح خير الأمور الوسط. القضية الفلسطينية ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، لكنها قضيتهم قبل سواهم. فالمزايدة عليهم بحملها كالتخلي عنها. لم يكن من الوطنية في شيء أن يساهم «الزائد» اليساري والقومي والإسلامي في هدم وطن جميل إسمه لبنان بحثاً عن وطن سليب ومغتصب في فلسطين. وليس من الوطنية أن ينأى اللبنانيون بأنفسهم عن قضية صار النأي عنها أصعب من فصل توأمين سياميين.
غير أنّ التجربة علمتنا أن نختار التضامن مع القضية ومع أصحابها بدل الحلول محلهم والتخلي عنها وعنهم. وعلمتنا أنّه لم يعد مجدياً لا تكرار خطاب التنافس على مصادرة نضال الشعب الفلسطيني ولا إنكار حقه في النضال. لا خطاب اليسار ولا خطاب الممانعة ولا جبهة الرفض ولا الإسلام السياسي ومنه «حماس» و»حزب الله»، ولا خطاب عنصري لبناني يطل برأسه كلما أزمةٌ أزمت.
الحضارة الرأسمالية ربطت بين قضايا الشعوب والأوطان برباط متين من الاقتصاد وشبكات الاتصال والتواصل، فكادت تزول من الوجود القضايا الموضعية والمحلية؛ وتسببت بأزمات كونية بدءاً بحربيها العالميتين وانتهاءً بالثقب الأسود وتبدل المناخ، مروراً بأبشع ظاهرة استعمارية شهدها القرن العشرون، أي القضية الفلسطينية. التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته واجب كل شريف على وجه الأرض. واجب لا تمليه مصالح الحكام ولا وساوس السلطة ولا هوس طفوليات ثورية أثبتت عقمها ولا أوهام الأساطير الدينية، بل حق الشعب في «إقامة دولته على أي شبر يحرر من أرض فلسطين».
كم أخطأ الذين استكثروا الشبر فاستقطعوه وجعلوه عكاز أوهام!
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله