24 شباط 2024
https://www.nidaalwatan.com/article/255760
كتّابنا
محمد علي مقلد
خطأ أم زلة أم هفوة؟
24 شباط 2024
02 : 00
ورد في عظة غبطته: «كثيراً ما يحدث عندنا أنّ إحدى الطوائف لا ترى في الطوائف الأخرى، ولا سيما تلك التي تخالفها النظرة إلى الأمور، إلّا جماعة من العملاء، والخونة». تعميم لم ينقذ العبارة من وضوح القصد، «إحدى الطوائف» هم الشيعة.
ماذا أفعل بقلمي؟ ينطبق عليه قول الشاعر محمد الماغوط، ما أن يرى صفحة بيضاء حتى يرتجف كاللص أمام نافذة مفتوحة (يرى «كلاماً طائفياً» في حالتي). وكيف لي أن أنتقد من رأيته الأفضل ليكون رئيساً للجمهورية، لا لأنني أرغب في تولي رجل دين مسؤولية سياسية، بل لأنه يتداول في عظاته بمصطلحات الدستور والدولة والسيادة أكثر من أي سياسي؟ وكيف لي أن أنتقد ولم يجف بعد حبر قولي إن البطريركية عمرت لبنان، من الحويك حتى الراعي، والمارونية السياسية تخربه!؟
رجل الدين، ككل البشر، قد يقع في مغبة الانحراف المهني، فلا ينجو من استخدام مفردات الدين خارج الشأن الديني فيضعها في غير محلها لينطبق عليها قول الشاعر، «فوضع الندى في موضع السيف بالعلى مضر كوضع السيف في موضع الندى». لكن ما جعلني أقدم على النقد أنني أظن، وأتمنى أن يصح ظني، أنّ غبطته يملي أفكار عظته على أحد مستشاريه موكلاً إليه مهمة الصياغة. وليس كل صائغ كالمتنبي الذي كان يأخذ المعنى من الممدوح ثم يعيده إليه شعراً «فإنك معطيه وأني ناظم».
الطوائف في لبنان حقيقة راسخة في التاريخ والمجتمع والثقافة والعادات والتقاليد، لكنها في السياسة خطر على الوطن. أنا إبن طائفة تربيت على قيمها من والدي، وإبن قرية فيها مسجدان وحسينيتان وكنيستان، وفيها شيعة وموارنة وكاثوليك، في هذا المناخ تعلمت التسامح واحترام التعدد والتنوع وحب الوطن، لكنني كلما ذكر إسم طائفة في خطاب سياسي أو في بحث أكاديمي أتحسس قلمي.
في سَوْق أبناء الطائفة كلها، أي طائفة، بالعصى ذاتها، إساءة لمن لا يقبلون أن يساقوا كالقطيع. أنا الشيعي في تذكرة الهوية، لا أرى الطوائف الأخرى مجموعة عملاء وخونة، وإذا كان في طائفتي من يسيء للآخر المختلف فذلك نابع لا من قيمه الدينية بل من انتمائه السياسي. لذلك كنت حريصاً على التمييز بين الموارنة والمارونية السياسية، وبين السنة والسنية السياسية، وبين الشيعة والشيعية السياسية. وحدهم الذين حولوا طوائفهم إلى كيانات سياسية ارتكبوا الكبائر. ولا يجوز أن تزر وازرة وزر أخرى.
على المقلب الآخر قال سماحة المفتي الجعفري «المطلوب ملاقاة سيادة الجبهة الجنوبية بالسيادة النيابية الميثاقية ليبقى لبنان». بلغة الانحراف المهني ذاتها أُفرغت المصطلحات من معناها العلمي والقانوني فصارت السيادة سيادة الجبهة، وليست أي جبهة بل جبهة الجنوب بالذات، وسيادة البرلمان.
السيادة، يا صاحب السماحة، هي سيادة الدولة على حدود الوطن وداخل حدوده، وهي سيادة القانون على جميع المواطنين بمن فيهم، وعلى وجه الخصوص، أصحاب السماحة والغبطة والمقامات السياسية. في لغة المحاصصة وحدها يتقاسم المحاصصون أركان الوطن، الشعب والأرض وسيادة الدولة.
هذا هو معنى أن يكون «لجبهة الجنوب» قوانينها وأجهزتها الأمنية، فيصير جيش الدولة دخيلاً عليها وقوات الطوارئ طرفاً غريباً زرعته المخابرات المعادية. المحاصصة وحدها تحتاج إلى ميليشيا دينية تصادر تأويل الكتاب المقدس وتأويل الدستور أسوة بالميليشيات المسلحة التي تصادر الأموال والحريات. أخطر ما في قول المفتي أنّ السيادة، كما يفهمها، شرط لبقاء الوطن، وإلا فلن يبقى وطن.
في السجال الطائفي لا تصح معادلة العين بالعين وهفوة بهفوة. لأن تناول السياسة بمصطلحات الدين خطر على الدين ولعب بنار الوحدة الوطنية.
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله