23 نوفمبر، 2024

أمين معلوف و”غرق الحضارات”

21 شباط 2024

https://www.nidaalwatan.com/article/254732

https://d6ad286cf16ad556b0c36a563cec40d5.safeframe.googlesyndication.com/safeframe/1-0-40/html/container.html

كتّابنا

محمد علي مقلد

أمين معلوف و”غرق الحضارات”

21 شباط 2024

02 : 00

إنّ جنّة إسمها مصر أنجبت طه حسين وعبد الناصر والنحاس باشا كانت موجودة بالفعل، تبدّلت أحوالها مع الأيام ولم تعد تبشر بالوعود. بهذه الكلمات يحكي أمين معلوف، في كتابه «غرق الحضارات» (دار الفارابي) عن بلاد كانت تزدهر فيها ميادين الموسيقى والأدب والسينما، ويصبح الملحنون والمطربون والأدباء والشعراء نجوماً في العالم العربي؛ أم كلثوم وأسمهان وليلى مراد.

أرض النيل هي «وطن ثان لأسرتي» يقول معلوف. عندما صادرت حكومة الضباط الأحرار قصر جده غادرت العائلة وظل هو على حبه وإعجابه وتعلقه «تعلقاً شديداً بحضارة أجداده» إلى أن وقعت الهزيمة، وعلى بعد خمسين عاماً منها، وجد نفسه في «خريف حياته» يذكر المشهد المتهالك ويصفه بكلمات مثل، «شقاء وأسى وضياع وكارثة وتقهقر وغرق وهلاك».

الكتاب سيرة حضارات لا سيرة شخص أو عائلة. جيله، مواليد النكبة، ترعرع في ظل مظاهر خادعة من نهضة قومية أثارت آمالاً عريضة ثم خيبتها، تماماً مثلما فعلت الحركة الشيوعية التي «حشدت أشخاصاً رفيعي القيمة يختزنون أنبل المثل العليا ثم أفضت بهم إلى طريق مسدود».

السبعينات لحظة الانقلاب الكبير في العالم. تاتشر، رئيسة الحكومة البريطانية، تراجع دور الدولة أمام الاقتصاد وتحرير رأس المال من كل قيد أو رقابة سياسية. قال رونالد ريغان: «في هذه الأزمة، الدولة ليست الحل لمشاكلنا، الدولة هي المشكلة»؛ يوحنا بولس السادس على سدة البابوية، اختفاء الإمام موسى الصدر، ثورة الخميني، هزيمة أميركا في فيتنام.

عالم جديد بدأ يولد. عقد واحد من السنوات كان كافياً لإنهاء مرحلة الثنائية القطبية والصراعات المتناسلة منها. انهيار الشيوعية، أسامة بن لادن وصعود الإسلام السياسي. أزمات ومخاوف وأوبئة من نوع آخر بدأ يشهدها العالم. ذوبان المحيط المتجمد وغرق بلدان بكاملها. احتجاج الطبيعة على همجية البشر. تحولات المناخ، الأوزون والثقب الأسود، قمم تنعقد لتهدئة غضب الطبيعة.

في السبعينات أيضاً الحرب الأهلية في لبنان. انقلاب في حياة أمين معلوف. غادر البلاد حاملاً معه كثيراً من الحنين وتجربة صحافية جعلته يتابع كشاهد عيان الانسحاب الأميركي من سايغون وعودة الخميني إلى طهران. في قلب هذه التحولات الكبرى، صار لبنان «بلده الأم» وفرنسا وطنه «بالتبني»، إلى أن استوى على مقعد على ضفاف السين. من هناك تراءى له «أنّ القرن العشرين كان مسرح صنفين من المصائب، تسببت الشيوعية بالصنف الأول ومناهضة الشيوعية بالصنف الثاني».

انقلاب السبعينات، بل انقلاباتها، لم تبقِ حجراً من الماضي على حجر. إلا العالم العربي والإسلامي الذي «آلى على نفسه أن يضخم حتى العبث كل عيوب عصرنا»، ومن بينها عيوب التفكير وعيوب المشاعر. ففي مجازر صبرا وشاتيلا، اكتفى العالم بأسره، العربي والغربي، بالاستنكار. هذا العالم الذي «يتحول فيه ورثة أعظم الحضارات وحملة أكثر الأحلام كونية إلى قبائل شرسة… فماذا ستكون تتمة المغامرة البشرية؟».

عالم يواصل مسيرة التقدم في العلوم والابتكارات التكنولوجية، «فيصغي إلى أحاديثنا ويحدد موقعنا ويصور، بفضل هواتفنا المحمولة وكاميرات المراقبة والطائرات المسيرة من بعد. وعلى هذا النحو، سيكون من الممكن أن يعرف بدقة من التقى بمن، وماذا تبادلا من أحاديث، وأين أمضى كل شخص ليلته».

ورد كلام أمين معلوف هذا في كتابه الصادر عام 2019. لو اطلع عليه مستشارو القادة في بلادنا لأدركوا أنه ليس من العملاء بل من العلماء. هو الحكيم على رأس الأكاديمة الفرنسية. ولو أخذوا على محمل الجد كلامه الاستشرافي عن الهواتف المحمولة لحمَوا المقاومين وقللوا من الخسائر في المواجهات مع العدو الصهيوني.