طلب مني صديق عزيز أن أشرح هذه العبارة التي وردت في مقالتي السابقة. “في بدايات القرن الماضي كانت إسرائيل مشروعاً صهيونياً يدعمه الغرب الرأسمالي، وفي نهايته، أي بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وانعقاد مؤتمر مدريد، غدت مشروعاً غربياً أداته الصهيونية.”
الحوار المتمدن-العدد: 8135 – 2024 / 10 / 19 – 09:58
ما هو متفق عليه هو أن بريطانيا عملت منفردة على تنفيذ ما وعدت به تحت إسم وعد بلفور. ذلك يعني أن المشروع الصهيوني لم يكن مشروعاً “غربياً” بل إنكليزي بالدرجة الأولى. لكن ذلك لا ينفي أن تكون دول إوروبا كلها مؤيدة ضمناً لتجميع اليهود في وطن واحد بعيداً عن حدود القارة، لأن علاقتهم مع شعوب الأوطان الجديدة التي نشأت في الغرب بعد الثورة الرأسمالية، بدءاً بتهجيرهم من إسبانيا مع عرب الأندلس وانتهاءً بمحارق هتلر، لم تكن سوية.
من الأدلة الأخرى أن الولايات المتحدة الأميركية، وهي من الغرب، وقفت ضد إسرائيل خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وأن فرنسا شارل ديغول، وهي من الغرب أيضاً، قررت الوقوف ضد البادئ في حرب حزيران 1967 وإسرائيل كانت هي البادئة. حصل ذلك في ظل الثنائية القطبية التي كانت الحركة القومية العربية خلالها قد اختارت التحالف مع الاتحاد السوفياتي وبناء علاقات رجراجة مع الغرب.
ترافق انهيار المنظومة الاشتراكية مع انهيار حركة التحرر الوطني العربية والحركة الوطنية اللبنانية، فاصطفت الأنظمة العربية بالنظام المرصوص خلف الولايات المتحدة وبريطانيا في حرب الخليج ضد نظام صدام حسين في العراق، وانعقد في إثره مؤتمر السلام في مدريد الذي حمل عنوان الأرض مقابل السلام. ما يعني أن إسرائيل قررت التخلي عن مشروعها من النيل إلى الفرات، أي عن طبيعتها التوسعية، والتزمت بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي طرحته الولايات المتحدة الأميركية، والذي يرى أنه لا حاجة لصراع عربي إسرائيلي ما دامت كل الأنظمة العربية مصطفة تحت العباءة الأميركية. في ظل هذا المشروع تصبح الولايات المتحدة هي المرجع “الصالح” لحل كل المشكلات والتناقضات، من خلال المفاوضات المباشرة التي كانت تشرف عليها في واشنطن.
المتطرفون على جانبي الصراع في إسرائيل وفي محور الممانعة لم يكونا راضيين عن الاتفاق. في إسرائيل قتلوا رابين وفي لبنان استمرت المقاومة وسيلة لا لتحرير الأرض بل لتحسين شروط التسوية التي كانت تسير على قدم وساق ولم يبق من نقاط اختلاف سوى أمتار قليلة على ضفة بحيرة طبريا. مع ذلك دخل أبو عمار إلى فلسطين وقامت دولة فلسطينية لكن إسرائيل كانت تسعى إلى إفراغها من مضمونها كدولة ذات سيادة.
لم يدم تأييد حماس للدولة الفلسطينية طويلاً، إذ سرعان ما تم فصل غزة عن رام الله وصارت الدولة دولتين قامت حرب أهلية بينهما لأيام قليلة واستتب الوضع بعدها على دولة منقوصة السيادة في الضفة الغربية وأخرى سيطرت فيها ميليشيات الإسلام السياسي على قطاع غزة وهيأت للطوفان.
غداً عندما يتوقف الطوفان لن يتوفر حل ممكن في فلسطين خارج حل الدولتين، وفي لبنان خارج اتفاق الطائف. والدولة المنشودة ليست الدولة الاشتراكية ولا الدولة الإسلامية بل الدولة الديمقراطية. وإذا افتقرت تلك الدولة إلىى مقومات الديمقراطية فما من سبيل للمعالجة إلى في إطار تعزيز سيادة القانون وهي سيادة تتنافى قطعاً مع أي نهج ميليشيوي عسكري أو سياسي أو إداري يعشش في بطن الدولة.
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله