30 أكتوبر، 2024

اليسار والإسلاميون


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن-العدد: 8139 – 2024 / 10 / 23 – 22:03
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=846025


في بداية تسعينات القرن الماضي نظم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي مؤتمراً ثقافياً، كان من بين الحاضرين والمشاركين فيه المفكران المصري محمود أمين العالم والسوري الطيب تيزيني. دعوتهما إلى منزلي لتكريمهما على مائدة عشاء على شرف راعي الثقافة الحبيب الصادق أمين عام المجلس الثقافي منظم المؤتمر.
كانت جلسة رائعة وغنية بسجال حام بين يساريّين شيوعيّين من بلدين تشكلت منهما ذات يوم الجمهورية العربية المتحدة، وعانى كلاهما من علاقة غير سوية مع السلطة في بلده، مصر الناصرية وسوريا الأسد، وتشاركا في الارتباك حيال تقدير كل منهما لدور الإسلام السياسي.
الإسلام السياسي في مصر معادٍ للتطبيع مع العدو الصهيوني. من الطبيعي إذن أن يشكل رأس حربة ضد النظام المصري مفتتح التطبيع، وهو في سوريا معادٍ للنظام رغم وقوف الأجير ضد التطبيع. لكن الوقائع تكذب القاعدة المعروفة، أصدقاؤك ثلاثة، صديقك وصديق صديقك وعدو عدوك.
محمود العالم تجمعه مع الإسلام السياسي المصري خصومتهما للنظام. مع ذلك ليسا صديقين. التيزيني والإسلام السياسي السوري يجمعهما موقف واحد من التطبيع. مع ذلك ليسا صديقين. هذه ليست حالة فريدة في العالم العربي. وقد بلغ الالتباس ذروته في لبنان حين شاعت تسمية اليسار الإسلامي واليمين المسيحي.
سئل مهدي عامل بعد اغتيال حسين مروة عما ستؤول إليه العلاقة بين الحزب الشيوعي والإسلاميين في لبنان فكان جوابه الحاسم والحازم، ستتعزز وتتعمق، لأن العدو واحد هو الاستعمار والصهيونية. جواب مهدي ترجمة لموقف الحزب الشيوعي اللبناني الذي كان يصنف الطوائف في لبنان بين وطنية وانعزالية.
في ندوة له في مدينة صيدا سئل إنعام رعد، مسؤول أحد الأحزاب العلمانية اللبنانية، عن العلاقة بحزب الله، فقال، مختلفون إيديولوجياً ومتحالفون سياسياً ضد عدو مشترك، الصهيونية.
المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز رأى، في أحد كتبه، أن أهمية الدولة، وهو يقصد الدولة عموماً والدولة الحديثة خصوصاً، لا تكمن فحسب في كونها “أهم اختراع بشري”، بل في كون الوطن، أي وطن، يصبح في غيابها مهدداً بالتفكك والحروب الأهلية وحكم الميليشيات المسلحة، ويقدم حالة لبنان مثالاً على ذلك، ثم ينقض كلامه في كتاب آخر عندما يتعلق الأمر بدور الميليشيات اللبنانية، بيسارييها وإسلامييها، بالقضية الفلسطينية.
الشاعر أدونيس تغنى بالخمينية وصنف الحركة التي قادها في عداد الثورات، وحين قامت الثورة في سوريا ضد النظام عارضها لأنها انطلقت من المساجد.
تعددت الإجابات على سؤال شكيب إرسلان الشهير، لماذا تقدم الغرب وتخلف المسلمون. الوهابية رأت أن التخلف ناجم عن ابتعاد المسلمين عن دينهم، فيما يرى يساريون أن التمسك بالدين هو السبب. حين سئل كريم مروة في التسعينات قال، أن الثورة يمكن أن تنهل مبادئها من الدين كما من الماركسية. في الجزائر لعب الدين الإسلامي دوراً إيجابياً في ثورة المليون شهيد، وشاع في أدبيات الحركات الثورية في أميركا اللاتينية مصطلح “لاهوت التحرير”.
لاحظ فلسطينيون أن العنف الثوري في حرب الطوفان الذي تجلى على شكل بطولة ضد الوحش الصهيوني هو ذاته الذي ظهر قبل ذلك ضد أخوة في الدين والوطن من حركة فتح، يوم سيطرت حماس على غزة ورمت خصومها الفلسطينيين من الطوابق العليا في أبنية المدينة إلى قارعة الشارع. في حرب داعش كان كل من القاتل والقتيل يصرخ، الله أكبر.
كيف يحل هذا الالتباس؟ وحتى لا ينتقص أحد من بطولات من استشهدوا في لبنان وفلسطين من أجل القضية، وحتى لا يبقى تناقض بين التضامن مع القضية الفلسطينية وتحفظ البعض على دور الإسلام السياسي في النهضة والتقدم والثورة. جلاء الحقيقة يقع على عاتق المناضلين والمفكرين؟
الدخول في رحاب حضارة العصر ينتظر الجواب على السؤال الإرسلاني الشهير، أو على سؤال الشاعر حسن عبد الله، في القصيدة التي غناها مرسيل خليفة: من أين أدخل في الوطن.