26 أبريل، 2024

الصين ــــ إسرائيل

تجارة أسلحة أم معاهدة عسكرية؟

        الصين عقدت صفقة عسكرية مع إسرائيل قيمتها ثلاثة مليارات دولار. هذا ما نشرته إحدى الصحف اللندنية. وأضافت الصحيفة (جينس دينانس ويكلي) أنّ هناك مستشارين إسرائيليين يساعدون أطقم السلاح البرّي والسلاح الجوّي الصيني على استخدام الأسلحة الإسرائيلية. هذا ما عادت فأكّدته الصحف الإسرائيلية حين ذكرت، منذ سنة، أنّ ما يقارب المايتي مستشار عسكري إسرائيلي يعملون في الصين.

        أخبار بيع الأسلحة الإسرائيلية لبكين ليست جديدة وإنْ كانت الصين قد كذّبتها. ذلك أنّ هناك كثيراً من المبرّرات تحمل الصين على طلب السلاح، وإسرائيل على الاستجابة الفورية.

        تعتبر الصين أنّها ضيّعت من عمرها العسكري خمسة عشر عاماً، تحمّل مسؤولية ذلك للقوّتين العظميين. بينما تقول مصادر وزارة الدفاع الأميركية أنّ الصينيين خيّبوا آمال الغربيين عندما لم يتمكّنوا من شراء كميات كبيرة من الأسلحة، واكتفوا بالقليل الذي تتحمّله إمكاناتهم المتواضعة. فقد كانوا بحاجة إلى ما قيمته 400 مليار دولار من الأسلحة الغربية وهذا لم يكن متوفراً. لذلك راحوا يفتشون عن مصادر للتسليح أقل كلفة.

        من الاحتمالات التي سبق لهم أن درسوها، تطوير الأسلحة السوفياتية المصدر. وفي هذا الإطار عقد أولتفي، نائب رئيس البرلمان الصيني، اجتماعاً مع وزير الدولة المصري للإنتاج الحربي. كان ذلك في القاهرة عام 1978، وكان موضوع المفاوضات طلباً صينياً بالحصول على أسرار طائرة الميغ 23، مقابل تزويد مصر بقطع الغيار للطائرات السوفياتية الصنع، وكانت مصر يومذاك في أمسّ الحاجة إلى ذلك.

        وفي هذا الإطار أيضاً، توجّهت الصين إلى البرازيل، عبر وفد رفيع المستوى، للبحث بإمكانية شراء دبابات من صنع برازيلي، وذلك بعد أن تنامى إلى مسامع الصينيين أنّ دبابات مصرية ب. ت 40 وب. ت 60، من صنع سوفياتي، قد انهزمت أمام دبابات ليبية، من صنع برازيلي، إثر معركة جرت عام 1977.

        أمّا إسرائيل، فهي، بدورها، ذات مصلحة سياسية واقتصادية في بيعها الصين أسلحة وقطع غيار، لما توفّره لها هذه العملية من ظروف تساعد على تطوير صناعة التعدين، لا سيما المعادن الصلبة الخفيفة المقاومة للحرارة. وهي معادن ضرورية في صناعة الطيران. تبقى الفائدة السياسية وهي تقوم على رغبة إسرائيلية أميركية في تعميق الهوّة بين الصين والاتحاد السوفياتي وفي تعميق تحالف بكين مع المعسكر الغربي. وقد وصلت الإشاعات حول التداول بأخبار معاهدة عسكرية صينية إسرائيلية. حدث ذلك إثر زيارة سرية للغاية، تكتمت حولها الأوساط العليمة في البلدين، قام بها المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية على رأس وفد من كبار الموظفين.

معلومـات وأرقـام

        وقد أكّدت الخبر في حينه الصحيفة اللندنية الأسبوعية (ذا إكونومست)، الصادرة في 22 نوفمبر 1980، فذكرت أنّ المحادثات قد تناولت بيع أجهزة عسكرية، وأعتدة، في حين أنّ وكالة تاس السوفياتية أكّدت أنّ اللقاء تناول مسألة شراء 52 طائر مقاتلة من نوع كفير، وعدة مئات من دبابات الميركافا، بالإضافة إلى عدد غير محدّد من الصواريخ.

        عام 1982 استند مندوب وكالة رويتر في بكين إلى معلومات دبلوماسية غربية ليعلن أنّ وفداً يمثّل شركة إسرائيلية، تدعى تاديران، وهي مؤسّسة تعمل في ميدان الإلكترونيات العسكرية، وبالتنسيق مع شركة أميركية، قد زار الصين، ليعرض على المعنيين جهازاً إلكترونياً متطوراً للدبابات، أملاً في عقد صفقة. وكما كان متوقعاً، فقد أعلنت الصين أنّ الخبر هو مجرد إشاعة. بينما لم تكلّف السلطات الإسرائيلية نفسها عناء تكذيب الخبر، وتابعت مصادر رويتر في الصين تؤكد خبر وصول الوفد.

        الأوساط الدبلوماسية الغربية، وأجهزة المخابرات فيها، مالت إلى الاعتقاد بما عجزت عن تكذيبه تل أبيب، وهو أنّ إسرائيل والصين قد توصلتا إلى إقامة علاقات عسكرية سرية، منذ بعض الوقت، وأنّ إسرائيل التزمت بإصلاح وتجديد دبابات ومعدات صينية قديمة. أمّا أجهزة المخابرات البريطانية، فقد تأكّد لها، بالملموس، قيام علاقات جديدة بين البلدين، خاصة وأنّ الصين قد عرضت، في مناسبة أول أوكتوبر، عربات مصفّحة صينية، وهي من طراز بريطاني، مزوّدة بمدافع 105 ملم رغم أنّ بريطانيا نفسها لم تكن قد سلّمت الصين مثل هذه المدافع.

        حسب رأي الخبراء في أجهزة المخابرات، فقد حصل الإسرائيليون على إجازة بريطانية من اجل تصنيع المعدّات لمدافع العربات، واستخدموا هذه الإجازة لكي يضعوا مشروعاً من تصميمهم، وهذا ما مكّنهم من تطوير جهاز المدرّعات الصينية، ومن التزوُّد بقنابل مضادة للدبابات، لا سيما بعد أن جربت هذه القنابل بنجاح ضد الدبابات السوفياتية ت 72 خلال حرب لبنان.

        هذا وقد أضافت إسرائيل تحسينات أخرى على الدبابتين ت 54 وت 55، وذلك بما قدّمته من طراز جديد متطور لمسدِّد يرصد المسافات ويقيسها بدقة، بالإضافة إلى منظار للمراقبة الليلية. هذا ما أكّدته الصحف البريطانية الصادرة في 30 يونيو 1984، حين أعادت إلى الأذهان أنّ تجديد سلاح المدرعات الصيني، على مدار السنوات الخمس الأخيرة، يؤكّد على مثل هذا التعاون في مجال التصنيع الحربي.

        أمّا صحيفة يديعوت أحرونوت، فقد علّقت على مضمون معلومات المخابرات البريطانية بالقول أنّ الصين قد راقبت بإعجاب، الطريقة التي اعتمدتها إسرائيل لتعطيل مفعول الدبابة السوفياتية ت 72 وصواريخ سام، خلال اجتياح لبنان، وأنّها أي الصين، أصبحت على ثقة بإمكانية تقوية مواقعها العسكرية على طول الحدود مع الاتحاد السوفياتي.

أسلحة ذات مفعول سياسي

        في 14 أوكتوبر 1984 ذكرت السانداي تايمز اللندنية أنّ شحنات الأسلحة الإسرائيلية إلى الصين قد نُقلت عبر بلد ثالث وسيط، هو سانغافورا.

        لكن الصين أبدت امتعاضها، حديثاً إثر بيع إسرائيل كميات من الأسلحة الكيماوية إلى تايوان، مقابل تخوُّف الأخيرة من تطور العلاقات الإسرائيلية الصينية نحو الأحسن، لا سيما بعد العرض العسكري الصيني الذي ظهرت فيه صواريخ مضادة للبوارج، شبيهة جداً بصواريخ كابرييل التي كانت إسرائيل قد زوّدت بها تايوان عام 1977.

        أمّا الولايات المتحدة، فهي ترى في عملية تجارة الأسلحة بين الصين والغرب عامل ضغط على الاتحاد السوفياتي. كما تعرف الدبلوماسية الإسرائيلية تماماً حجم الفوائد التي يجنيها الغرب عموماً، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، من خلال تعزيز العلاقات العسكرية الإسرائيلية الصينية.

        وإذا كانت الصين تعتمد في بعض إنتاجها العسكري الإلكتروني على إسرائيل المدعومة من أميركا والمنسقة معها، فما الذي يمنع في أن تتعاون الصين مباشرة مع واشنطن؟ الجواب طبعاً غير محصور في الجانب الأول، بل إنّ الولايات المتحدة تقيم حسابات معقدة أحياناً، فتعرب عن ارتياحها لحاجة الصين المتزايدة للمعسكر الغربي، كما أنّها مغتبطة لتزويد تايوان بأسلحة إسرائيلية، وهو ما لا تستطيع أن تقوم به واشنطن بشكلٍ علني.