25 أبريل، 2024

الأسير بضاعة شيعية

1-7-2012

الشيعية السياسية هي وجه العملة ، والشيخ الأسير هو القفا. هذا بلغة الأمثال. وبلغة الفلسفة،  إنه تكرار للنموذج ذاته، لكن التكرار لا يمكن إلا أن ينطبق عليه القول الماركسي الشهير ، الذي يصف النسخة الثانية من تكرار التاريخ بأنها مسخرة.

كان على الشيخ الأسير أن يعرف أن ” الرطل بدو رطل ووقية” . من لا يعرف “درج عرج” في علم السياسة  وعلم المكاييل، لا يعرف أن اعتصاما في صيدا أو حتى في بلاد الانشار”الأسيرية” في المناطق اللبنانية ، لن يفوق ما فعلته الشيعية السياسية بالبلد منذ عقدين على الأقل  غراما واعدا بل لن يوازيه ، مهما تطاول.

يبدو أن الشيخ لا يعرف تاريخ الحرب اللبنانية ، ولا يعرف أن الشيعية السياسية نتاج موازين إقليمية وأن سلاح حزب الله ليس سوى تعبير عن هذه الموازين . لو عرف ذلك لأيقن أن حل مشكلة السلاح تحتاج إلى توازنات أكبر من إقفال شارع في مدينة صيدا.

في حرب إسرائيل على لبنان عام 1996( عناقيد الغضب) استمر القصف على لبنان ستة عشر يوما  ، دمرت إسرائيل أقل قليلا مما دمرته في عام 2006، مع ذلك كررت فعلتها في 2006 ، لتكتشف أن هذا التكرار هو الآخر مسخرة ، وبأن ما تفعله يشبه ” كي الحمار على الجلال” ، لأن حل مشكلة السلاح لا يمكن إلا أن يكون حلا دوليا واقليميا . لا نقول هذا تخفيفا من خطيئة الاعتصام ، لأن الأكبر من الأسير قد يخطئون التشخيص .

وحين يفكر الشيخ الأسير بنقل مكان الاعتصام ، فهو يعدنا بنقله إلى مكان موجع . وهو هنا لا يعرف من سيكون الموجوع . هو يظن أنه يضغط على حزب الله وسلاحه ، لكن عليه أن يتساءل عمن تقع الأذية حين تقطع الطرق وتتعطل الحركة ، وأن يتساءل عمن تحمل الأذية حين تقطع طريق المطار ، أو حين احتل حزب الله وحلفاؤه وسط العاصمة . الخاسر الأول هو الدولة اللبنانية وهيبتها ، والثاني هو اقتصاد الوطن، والثالث تجاره و كل المواطنين والسياحة والمغتربون الخ. ولن تصل ذرة من الخسارة إلى حصن حزب الله وسلاحه.

والشيخ الأسير لا يعرف أن ما يقوم به هو الرد الأمثل الذي ترغب به الشيعية السياسية . ولا شك أنه لا يعرف ، ربما لأنه كان حديث السن ، أن الانقسام اللبناني بين حركة وطنية وجبهة لبنانية هو الذي مهد للحرب الأهلية ، كذلك فعل الانقسام بين مؤيد للجيش ومعارض له . يومذاك انشق الجيش بين المعسكرين المتقابلين ، وصار لنا جيشان ثم جيوش ، إلى أن انهارت الدولة ، ولم تقف على قدميها من جديد إلا في مؤتمر الطائف.

والشيخ الأسير لا يعرف أن الشيعية السياسية لم تكن تريد من الشحن المذهبي الذي استخدمته في أوساطها غير تفريخ شحن مماثل في أوساط أخرى ، وهي نجحت جزئيا باستمالتها ميشال عون وتياره الحر بين المسيحيين  ، وها هي تمني النفس بأن تستولد حماسة الأسير قفا عملتها بين السنة .

وهو لا يعرف أن الانقسام الوطني العامودي حول أية قضية، وخصوصا الانقسام المذهبي، هو أقصر الطرق وأفضلها لشحن النفوس وتحضيرها  للانفجار العسكري .إن عليه أن  يعرف، بالتالي، أن معالجة قضية سلاح حزب الله تحتاج إلى مزيد من الحكمة والصبر والتعقل .

الشيخ الأسير هو أفضل هدية يقدمها التعصب السني في وجه التعصب الشيعي ، ولهذا قد لا يكون مستغربا القول إنه بضاعة شيعية بامتياز.