23 أبريل، 2024

مشاهد حكومية سوريالية

29-7-2012

   يقول الخبر المتلفز ، إن زارعي الحشيشة وتجارها نبهوا القوى الأمنية والجيش اللبناني من مغبة تلف مزروعاتهم بالقوة ، لأن الرد سيكون قاسيا . وحين جهزت القوى الأمنية نفسها وباشرت بتنفيذ المهمة تواجهت بإطلاق نار من أسلحة رشاشة. صياغة الخبر تجعل الأمر ملتبسا بين من يكون منهما سلطة ومن يكون عصابة، أليس كذلك ؟ ألا يكون الإعلام ، بهذا المعنى ،  ضالعا ، ربما عن غير قصد ، في كسر هيبة الدولة؟

    “تقصير الدولة بتزويد المحققين بالداتا هو تآمر على الوطن وتقاعس أخلاقي ومشاركة في الجريمة”. هذا التصريح صدر عن أحد كبار السياسيين في لبنان. وهو يقصد فيه اتهام السلطة ، لكنه استخدم مصطلح الدولة بدل السلطة أو الحكومة . ألا يعني ذلك أن السياسيين الذين يرغبون  بالانحياز لمشروع الدولة إنما يسيئون ، ربما عن غير قصد ، لأنفسهم وللدولة على حد سواء؟

المجلس النيابي بلجانه وهيئته العامة في صدد سن قانون يتم بموجبه فتح باب الوظيفة العامة أمام  الراسبين في الامتحانات التي نظمت خصيصا لدخول هذه الوظيفة . أليس ذلك انتهاكا لأحد الأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة ، أي الكفاءة وتكافؤ الفرص؟  ومن الذي يرتكب هذا الانتهاك ؟ المجلس النيابي ، أي السلطة التشريعية ذاتها التي شرعنت وظيفة المتعاملين في وزارة الإعلام ومعظمهم أميون ، ووظيفة مماثلة في وزارة الطاقة ممن لا يداومون في أعمالهم . وهي التي حفزت الراسبين في امتحانات التصنيف لوظيفة أستاذ تعليم ثانوي على التظاهر طلبا لتعيينهم في الوظيفة بعد رسوبهم. تخيلوا كيف ستكون الدولة التي يعمل على إعادة بنائها هذا الصنف من المشرعين!!!

السلطة التشريعية ذاتها بحثت عن سبيل لانتهاك القانون في سعيها لتقصير السنة السجنية وجعلها تسعة أشهر بدل اثني عشر شهرا. يعني ذلك تخفيف العقوبات على من يرتكب جرما أو جناية ، قتلا أو سرقة أو سطوا مسلحا ، الخ. مجلس تشريعي يقدم الحوافز للمجرمين ، ويلتف على القضاء وعلى قانون العقوبات ! ” وانخلي يا مرات حنا إن كان عندك طحين “

   يعقد مسؤول حزبي مؤتمرا صحافيا يحمل فيه الحكومة المسؤولية عن كذا وكذا ، مستخفا بعقول اللبنانيين الذين يعرفون أن حزبه ممثل في الحكومة تمثيلا فاعلا . إنه حزب معارض داخل الحكومة . والأنكى من ذلك أن أحد وزرائه يدعو إلى التظاهر في وجه الحكومة . إنهم يخربون الأسس المبدئية التي تقوم عليها الديمقراطية والمحاسبة والمراقبة . من يحاسب من ؟ من يعارض من؟ من هي السلطة ومن هي المعارضة؟ هذا ضرب من الاستبداد مبتكر ، ابتدعه ساسة لبنان المحاصصون ومارسوه بمهارة وكفاءة تضليلية هائلة . لكل محاصص منهم رصيد جاهز من الاحتقان المذهبي والطائفي ، ومن جمهور يرضى بالاستبداد ويشارك ، ربما عن غير قصد أو عن غير وعي ، بتدمير الوحدة الوطنية ، أي بتدمير الأساس الذي تقوم عليه الدولة .

أخيرا ، استأذنت الصديق الدكتور شبيب ذياب ، واقتبست منه هذا المقطع من مقالته على الفيسبوك :

 كان لافتا في الاشهر الاخيرة تكرار عمليات الخطف في لبنان وطلب فدية بالمقابل ، ابتداء من خطف مجموعة الدراجين الاستونيين ،مرورا بخطف صاحب احد معامل الاجبان في البقاع الاوسط، ومتمول من البقاع الغربي، وابن احد تجار التداوي بالاعشاب ، والحبل عالجرار،هذا دون ان نغفل عمليات السطو المسلح على محلات الصيرفة والذهب والبنوك ، التي لا يتسع المجال لذكرها، ولم تجد السلطة أية حراجة بالامر ، فكأن الامور كلها تسير بشكل طبيعي ،وما يحصل ليس الا من طبائع الامور.

ولكن ان يصرح الرئيس ميقاتي بانه لن يسمح بان تنكسر هيبة الدولة،في مقابل مطالب المعلمين، وينسى هيبة الدولة في الامن اليومي للمواطنين لهو أمر يستحق  التعليق.”

 هذه المشاهد السوريالية لا تحصى ولا تعد . إنها مشاهد حكومية ونيابية من “زمن الرويبضة” . (للتذكير ، الرويبضة هي الزمن الذي يسوس العامة فيه سفهاء العامة)