22-4-2012
حبيبتي الدولة
روى لنا الصحافي المرحوم يوسف خطار الحلو أنه مر ذات يوم بسهل الميذنة في كفررمان ورأى فلاحا يستخدم البغل في فلاحة الأرض ، خلافا لعادة فلاحي بلادنا باستخدامهم الأبقار. سأله عن ذلك فلم يجد الفلاح تبريرا غير كلام يشبه الحكمة : هذه حالة بلادنا ، ” في بلادنا ما في حدا بيشتغل بشغلته”
تذكرت هذه الطرفة حين كنت أستمع إلى نوابنا في جلسة المناقشة وهم يؤدون أدوارا ليست لهم ويغفلون أدوارهم التي انتدبهم الشعب لتأديتها.
انتدبناهم ليمثلوا قيمنا الاجتماعية والاخلاقية لا ليكونوا كصبيان الأزقة والحارات يتراشقون ببذيء الكلام والشتائم .
انتدبناهم لمهمة محددة في الدستور: التشريع ومراقبة الحكومة ومحاسبتها. لم نسمع منهم كلاما في التشريع لأن هذه الجلسة مخصصة لغير ذلك . لكنهم ، بعد أن راقبوا الحكومة جيدا وتأكدوا من أنها لم تنجز شيئا محضوها ثقتهم الغالية.
انتدبناهم لينقلوا همومنا إلى البرلمان، وسمعناهم يشكون كما نشكو، من الفساد الإداري والسياسي والصحي والمالي . كان ينقصهم أن يطالبوا الشعب بالاستقالة .
انتدبناهم ليحولوا الصراع إلى نقاش ، فحولوا النقاش إلى مبارزات كلامية وحوار طرشان وحكي في الطواحين . كان واحدهم لا يصغي للآخر وإن أصغى فلكي يرد على الهجوم المعادي مثلما “تعاير” النسوة بعضهن بعضا من شبابيك الحارات في الأفلام.
انتدبناهم ليرفعوا صوت العقل وينتصروا للسلم ويضعوا حدا لأسباب الحروب الأهلية المتناسلة ، فإذا بهم يثيرون الغرائز وينبشون القبور ويهيئون لحروب جديدة.
أن يشمر نائب عن زنوده ويهجم على العدو في قاعة المجلس !! يعني أنه لا يتصرف بصفته من فقهاء القانون بل بصفته مصارعا على حلبة أو واحدا من قبضايات الزعيم ، الآكلين من خبز السلطان و المحاربين بسيفه.
حين يقول أحدهم لزملائه بشأن السلاح: هذا الأمر ليس من اختصاصكم ، فهو يعني بالتمام والكمال أن ذلك هو من شأن الأجهزة السرية والنظام الأمني والتوازنات الاقليمية والدولية التي سمحت بإدخال السلاح إلى لبنان ، وبالتالي فليس سواها من يبحث في مصيره. كأن نائبنا الكريم يردد قول الشاعر: آه لو نتبادل الأوطان كالراقصات في المقهى! ما حاجة الوطن والدولة إلى مثل هؤلاء النواب إذن؟؟؟
إعلان السلاح مقدسا لتخويف المجلس النيابي من إدراجه على جدول النقاش هو من قبيل خلط عباس بدباس ، أو هو ضرب من الكفر ، إذ لا قداسة إلا لله . أما على هذه الأرض فالمقدس الوحيد هو الإنسان. إذن ،بعض نوابنا لا يمثلون المواطنين الذين يشبهونهم في الإنسانية ، بل يمثلون قضايا هي من ملكوت الله !! ويخلطون بين قاعة المجلس النيابي وقاعات الكنائس والمساجد .
قال نائب إن محطة التجسس تخص الحزب الاشتراكي ، ورد عليه آخر بأنها ملكية مشتركة بين التيار الوطني الحر وحزب الله. من الذي يملك الكلام الفصل في قول الحقيقة؟ إنه القضاء، وحكم القانون. لكن نوابنا الكرام لا يحترمون القانون .
وبعد أن بت القانون بقضايا عديدة ، أصر نوابنا على طرحها كما لو في أول مرة . لم يقتنعوا بما قاله القانون ، أو فضلوا على حزم القانون ميوعة المواقف السياسية . ربما كانوا في حاجة إلى دروس في القانون ، تبدأ من أن للقانون أصلا أخلاقيا.
تفننوا في إعادة صنع قميص عثمان ، فلم يقصدوا من طرح القضايا البت بها بل تكرار الأسطوانة الممجوجة ذاتها: الفساد ، شهود الزور ، الخيانة ، مع سوريا وضدها ، كهرباء تحت الأرض أو فوقها، الداتا، شعبة المعلومات ، خطف السوريين ، الخ …
بدل أن يحاسب أحدهم الحكومة الماثلة أمامه ، فضل أن يساجل مع حكومة سابقة جدا ومع رئيس وزراء راحل !!! ماذا يعني ذلك غير أن يكون النائب المحترم خارجا مذعورا من كهف أو من كابوس أو أنه يعيش خارج الزمن .
نعم ، إنه ، إنهم ، يعيش و يعيشون خارج الزمن. الشهيد الحريري كان له الفضل الأكبر في إعادة إعمار بيروت ولبنان. من تبقى كان مشغولا بالمراقبة أو بالاختلاس
إنهم يعيشون خارج القيم .
مقالات ذات صلة
تعديلات على بيان بعبدا
صقر شريك في الخطيئة
تعديل على الاستقلال المقبل