3 ديسمبر، 2024

إبتكارات الثورة اللبنانية ومغالطات حركة المبادرة الوطنية 2020 (2/‏4)

12 آذار 2020

ترى حركة المبادرة الوطنية اللبنانية أن “من المفارقات اللافتة في مشهد الحراك الشعبي العربي ضدّ الفساد والديكتاتورية والهيمنات الخارجية أن يكون في صُلب شواغله البحثُ عن وثيقةٍ دستورية تعاقدية توجّه مساره نحو غاية وطنية جامعة، بينما نمتلك نحن اللبنانيين مثل هذه الوثيقة بعد تعارك الخيارات والآراء والبنادق على مدى عقدٍ ونصف من الزمن، ولكننا نتصرّف اليوم وكأننا من جملة الباحثين!”.

المغالطة الأولى في هذا النص هي أن الحراك الشعبي العربي لم ينطلق ضد “الهيمنات الخارجية” بل هو انطلق تحديداً وعلى وجه الدقة ضد أنظمة الاستبداد في الجمهوريات الوراثية على وجه الخصوص، ولا سيما ما يتجسّد من هذا الاستبداد في انتهاك الدساتير أو إلغائها بالأحكام العرفية أو قوانين الطوارئ أو نظام الأجهزة الأمنية، ولذلك بدت المطالبة بسن الدستور أول بند في برنامج كل حراك، ومنه استحق عن جدارة أن يسمى ثورة بدل حراك أو انتفاضة وغير ذلك من التسميات، ذلك أنه شكل أول ثورة في العالم العربي منذ النبي محمد، متجاوزاً كل الثورات المزعومة التي لم يطالب أيّ منها بإعادة تشكيل السلطة بل كانت تكتفي بانقلاب سلطة على أخرى من الطينة ذاتها.

المغالطة الثانية تكمن في أخذها الثورة اللبنانية بجريرة أخواتها في الربيع العربي، وكأنها، كالثورات الأخرى، “من جملة الباحثين عن وثيقة دستورية تعاقدية، فيما يمتلك اللبنانيون مثل هذه الوثيقة”. لم أجد مبرراً لهذا الحكم بعد أن تباهى العالم باللبنانيين الذين ابتكروا ثورة تحت سقف الدستور، انطلقت مطالبة بـ”تطبيق النظام” خلافاً لما أجمعت عليه الهتافات في ثورات الربيع العربي، الشعب يريد “إسقاط النظام”، ولا ينفي ذلك أن تكون مجموعات من الثورة قد نطقت بهذا الشعار، لكن البرنامج الذي توحدت تحت سقفه كل المجموعات لم يترك مجالاً لأي تأويل: إسقاط الحكومة، تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات استثنائية تكون مهماتها محصورة بمحاربة الفساد واستعادة المال المنهوب وتحقيق استقلالية القضاء ومحاسبة المسؤولين عن كل مظاهر الانهيار ولا سيما المالي والنقدي، كل ذلك تحت سقف الآليات الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومات وبدور المجلس النيابي.

يرد البيان أسباب الأزمة المتفاقمة إلى “عاملٍ سياسيّ رئيس هو استمرار الوصاية على لبنان منذ العام 1990 حتى الآن، أكانت وصايةً سورية أو ايرانية”. الترجمة البرنامجية لهذا التشخيص تجعل الثورة اللبنانية جزءاً من حركة التحرر الوطني، أي عضواً في تجمع الممانعة الذي يعتاش على الصراع مع العدو الخارجي ليطمس الصراعات الداخلية. فضلاً عن أن الثورة اللبنانية حددت في تشخيصها الدقيق أن مهمتها الأولى هي إعادة بناء الوحدة الوطنية وإعادة بناء الدولة. ذلك لا يعفي الخارج من مسؤولياته لكن دوره مستند إلى الركائز الداخلية الميليشياوية التي استدرج كل منها قوة خارجية يستعين بها على أبناء وطنه.

https://www.nidaalwatan.com/article/16641