23 نوفمبر، 2024

لا تُشرذموا الثورة

6 حزيران 2020

رشات نقاش في صفوف الثوّار في كل المناطق وعلى كل الأصعدة، في المقرّات، أو في لقاءات إلكترونية، تحضيراً لمرحلة جديدة تستأنف فيها الثورة مسيرتها. يدور النقاش حول ثلاثة أمور: آليات توحيد الجهود والبرنامج والخطة. في هذا النقاش، ما هو مُجدٍ وضروري ومطلوب، وفيه ما يعود بالضرر على الثورة، ويُهدّد بشرذمتها.

الضروري جداً جداً هو تنظيم صفوف الثورة، بحشد كل الطاقات اللبنانية فيها ممّن تضرّروا من سلطة الفساد والإفساد. نجاح هذه المهمّة رهن بحرص الثورة على أوسع الأطر الديمقراطية للنقاش، وعلى نفس طويل قد يمتدّ لأشهر، إفساحاً في المجال لتوظيف كل الطاقات والإمكانات، بصرف النظر عن الإنتماءات السياسية والإيديولوجية لمكوّناتها. ذلك يعني أن من مصلحة الثورة ألا تستبعد أحداً، وأن تختار إطاراً مرناً يتّسع لكل راغب في الإنضمام إلى صفوفها، على أساس البرنامج الذي أعلنته الثورة في 17 تشرين الأول 2019، بمن في ذلك قوى مُتحدّرة من أحزاب السلطة أو أحزاب الممانعة، أعادت قراءة تجربتها بعين نقدية.

الأمر الثاني الضروري هو استبعاد النقاشات غير المُجدية والتحرّكات غير المُجدية، بل المؤذية التي تُهدّد الثورة بوحدتها وتشتّت جهودها. ففي النقاشات، يبذل الثوّار جهوداً لوضع برامج وصياغة وثائق، مع أن برنامج الثورة واضح منذ البداية، وعنوانه، إسقاط سلطة الفساد والإفساد، ومحاسبة المسؤولين عن نهب المال العام، وإعادة تشكيل السلطة وإعادة بناء الدولة.

النقاش غير المجدي الآن هو الذي يشغل الثوّار بالبحث في قانون الإنتخاب والإنتخابات المبكرة، والتحليل الإقتصادي لأسباب الأزمة، أو البحث بمسؤولية سلاح “حزب الله” والمفاضلة بين مصطلحات عن الدولة، كالعلمانية والمدنية والمواطنية، أو البحث في دور لبنان العربي والموقف من القضية الفلسطينية، ومن النزوح السوري والجولان المحتلّ والتوطين ومزارع شبعا والدور الإيراني وما إلى ذلك من قضايا، هي كلّها مهمة من غير شك، لكنها ليست مُلحّة لتكون جزءاً من برنامج الثورة، ولا هي مادة لتوحيد الجهود.

قد تُشير هذه العناوين وسواها إلى عوامل متراكمة أدّت إلى الإنهيار الكبير، ومن المؤكّد أن موقف الثوّار اللبنانيين ليس موحّداً حول أي منها. لكنّه توحّد حول مسؤولية السلطة السياسية عن الفساد ونهب المال العام وانتهاك الدستور والقوانين، ما أدّى إلى انفجار الثورة بفعل صاعق وحّد المواقف المُشتّتة وتمثّل بالقاع الذي انحدر إليه فساد السلطة السياسية، فكان شعار “الدولة هي الحل”، مع خريطة طريق وبرنامج بسيط، غابت عنه كل المصطلحات المتعلقة بالقضايا الدولية والعربية والإقليمية، وتركّز حول إعادة تكوين السلطة وإعادة بناء الدولة، استناداً إلى الدستور، لتكون بحقّ دولة القانون والمؤسسات والفصل بين السلطات، دولة الكفاءة وتكافؤ الفرص وتداول السلطة.

أما التحرّكات غير المُجدية، فهي تلك التي تأخذ الثورة نحو العنف وتستدرج عنف السلطة، أو تلك التي تختار مواجهات غير محسوبة بدقّة، من بينها التظاهر أمام مقرّات الميليشيات المسلحة، أو أمام القصر تحت شعار إسقاط الرئيس، أو التظاهر لنزع سلاح “حزب الله”. المعركة ضدّ هذه القوى لن تنتهي بالضربة القاضية، بل بالنقاط، ونجاح الثورة فيها وفي سواها من المعارك، رهن بتعزيز سلطة القضاء، خصوصاً بعدما أخذ الخناق يضيق على رموز الفساد ومُنتهكي الدستور.