16 كانون الثاني 2020
احتاروا في تسميتها. هل هي ثورة أم انتفاضة أم حراك؟ الثورة سيرورة لا تنتهي إلا بإعادة تشكيل السلطة السياسية. ليس كل انقلاب على السلطة، بقيادة عسكرية أو دينية، ثورة. ولا كل تعبير عن غضب ثورة. ولا كل احتجاج أو تمرد أو تظاهرة أو صرخة في وجه مسؤول ثورة. هذه كلها تكون جزءاً من الثورة إن هي اندرجت في سيرورتها، وإلا فهي لحظات ما إن تبدأ حتى تنتهي.
الربيع العربي ثورة اندلعت من أجل إعادة تشكيل السلطة على أسس الديمقراطية، انطلق قطارها من تونس وآخر محطاته لبنان، ولا بد أن يتابع القطار مساره حتى تعم الديمقراطية كل بلدان الأمة من محيطها إلى خليجها، وكل البلدان التي تسود فيها أنظمة الاستبداد.
بقينا، نحن معشر الشيوعيين، نستند إلى الوهم السوفياتي القائل، إن الانتقال إلى الاشتراكية هو سمة العصر، إلى أن قدم لنا العصر صورة مغايرة عنه، من بين وجوهها الجميلة، وربما هو من نتاج القيم الثقافية التي حملها معه ذلك الوهم، أن الانتقال إلى الديموقراطية في بلدان المعسكر الاشتراكي كان أقل كلفة منه في بلدان أخرى كبلداننا. قد تكون الاشتراكية حلماً جميلاً للمستقبل وقد لا تكون، لكن الثابت أن الحضارة الرأسمالية لن تشيخ، على ما يبدو، قبل أن يكتمل عقد الديموقراطية فيها على صعيد الكرة الأرضية، ولا سيما في العالم العربي الرازح تحت أنواع شتى من الاستبداد.
الثورة سيرورة، ولذلك فهي لن تسقط. سيسقط منها من لا يدرج مطالبه المحقة في سياق تلك السيرورة، ومن لا يتطلع إلى النهاية التي رسمتها الثورة منذ اللحظة الأولى لاندلاع شرارتها: إعادة تشكيل السلطة السياسية للتخلص من آليات الاستبداد المعتمدة لدى أهل النظام من “الطبقة الحاكمة”. نعم هدف الثورة هو الانتقال من الاستبداد إلى الديموقراطية، ويخطئ من يتوهم أن السيرورة ستفضي إلى غير ذلك. ففي محطتها الأخيرة لن نشهد نهاية العالم ولا موت الجشع الرأسمالي ولا نهاية النضال ضد وحشيته.
الثورة تحتضن الغضب بكل أشكاله لكنها لا ترضى بجعله برنامجاً للحل. قد يتجمع الثوار على أبواب المصارف ويعترضون على سياساتها المالية والنقدية، وقد يتظاهرون أمام المقرات الحكومية وقد يحاصرون مسؤولاً عن الشأن العام فيرفضون وجوده في مقهى أو مطعم أو قاعة محاضرات، وقد يعتدي أحدهم على موظف في مصرف أو على ممرض في مستشفى، وقد يشعل يائس من الثورة ومن السلطة النار في جسده، الخ. يخطئ الثوار ويصيبون، لكن الثورة لن تخطئ هدفها وهو التصويب على الاستبداد وآلياته ورموزه السياسية، من أجل إعادة بناء الدولة.
يعود “المدانون” إلى الوراء ثلاثين عاماً لتشويش أهداف الثورة، أو يغرقون البلاد في نقاش الأوضاع المالية والنقدية، في حين أن الأزمة ناجمة عن خطايا لا عن أخطاء، جوهرها سياسي وأعراضها قد تكون اقتصادية أو مالية أو نقدية أو اجتماعية، ويتحمل مسؤوليتها بالتكافل والتضامن من عمل على تدمير الدولة والمؤسسات الدستورية، نظام الوصاية في المرحلة الأولى، والنهج المافيوي والميليشيات العسكرية والسياسية في المرحلة الثانية.
الثورة لن تسقط. سيسقط منها من يسترشد بغير هذه الحقيقة.
مقالات ذات صلة
نعم انتصرنا
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية