13 أكتوبر، 2024

ثورة على الثروة أم على المختلسين؟

4 نوار 2020

https://www.nidaalwatan.com/article/20173

في مثل هذه الأيام من العام 1996 وفي إطار التحضير للانتخابات النيابية كنا نستمع إلى الياس سابا الذي كان قد شغل منصب وزير للمال. توقع في حينه أن تنفجر الأزمة في لبنان خلال شهر أيلول، واستبعد أن يتولى مسؤولية لإنقاذ الدولة وخزينتها وموازنتها قائلاً، إنها قنبلة موقوتة فما علينا سوى الانتظار، ستنفجر بين أيدي حامليها.

حصل ما توقعه الوزير، لكن بفارق خمسة وعشرين أيلولاً. بإمكانه أن يتباهى بخبرته وقدرته على الاستشراف، وما أكثر الخبراء والمستشرفين، لكن التوقيت غير السليم ينقل الاستشراف من حقل العلم إلى حقل التكهن، وينقل الخبرة من حقل الأرقام إلى حقل المناكفات السياسية.

وفي تلك المرحلة بالذات نشر النائب نجاح واكيم كتابه “الأيادي السوداء”، ومن “الفضائح ” التي أوردها أن الرئيس رفيق الحريري يملك ستين شركة مغفلة. ضحك الحريري في اليوم التالي من فضيحة الجهل بالشأن المالي حين كشف عن ملكيته لستماية شركة لا لستين. ما يعني أن عالم المال والاقتصاد هو عالم أرقام لا عالم تشبيح سياسي.

وفي تلك المرحلة بالذات جمع وزير المال جورج قرم عدداً من الخبراء وقدموا له تقريراً، لكن الحكومة برئاسة سليم الحص لم تبدل حرفاً واحداً من السياسة المالية التي وضع أسسها الحريري ووزير ماليته فؤاد السنيورة. جورج قرم أعاب عليه بعض معارضيه أنه يساري معارض للنظام السوري، فأخبرهم رئيسه بأنه واحد ممن استشارهم النظام السوري لرسم السياسة الاقتصادية للدولة. ما يعني أن آليات معارضة السياسة المالية ليست كآليات المناكفة السياسية.

بعد سنوات أصدر “التيار الوطني الحر” كتابه “الإبراء المستحيل”، وهو اعتراض على السياسة المالية بخلفية سياسية مفادها أن السنية الحريرية سلبت صلاحيات الرئاسة المارونية والريادة المالية من المسيحيين، ومهمة “التيار” هي استعادة المجد المسيحي في المال وفي السياسة. لكن لا شيء مستحيلاً إذا لم يمش المرء عكس التيار.

في كل هذه السنوات استمر اليسار وأهل الممانعة في شن الهجوم على رأس المال المتوحش وخصوصاً على الوسط التجاري الذي رأوا فيه خطراً على أمن نواب الأمة، فيما الخطر مصدره نواب الأمة المسؤولون عن كل التشريعات المالية ولا سيما ما يتعلق منها بسوليدير.

الأرقام ذاتها يتداولها الخبراء، لكن كلاً منهم يصوغ منها المعادلة التي تناسب هواه السياسي. الأرقام ذاتها والمعادلات متناقضة، وهذه أقصر الطرق لتضييع الحقيقة، حقيقة النهب المنظم للمال العام. الأرقام في لبنان مسألة حسابية فحسب أو وجهة نظر، لأن العقلية ذاتها تولت الهدم وتخطط لإعادة البناء، عقلية التشبيح الميليشيوي.

أما الثورة فلا تعنيها أرقام الخبراء ومعادلاتهم، ما يهمها هو القرارات ومترتباتها. بعد إصرار مديد على رفض عروض كهربائية من الصين والكويت والصندوق العربي للتنمية ومن شركة سيمنز، تتكشف فضيحة مشتقات نفطية دخلت إلى لبنان لحساب معامل الكهرباء ثم خرجت، ولا كهرباء.

المحاسبة العمومية تحتاج إلى أرقام، أما الثورة فلا تطلب غير رفع الأيدي عن القضاء ليخضع الجميع للمحاسبة.