8 آب 2020
الثورة مستمرّة. ليست جمراً تحت الرماد. الحلف الحاكم الميليشيوي المافيوي يدفع الأمور نحو الإنفجار الكبير، والحكومة المُتخبّطة والمُرتهنة بقراراتها وبمصيرها تتولّى بنفسها إشعال النار بهشيمها، وتمضي في طريق التدمير الذاتي نحو الإنتحار تحت راية “عليّ وعلى أعدائي”. الثورة هي نافذة الأمل.
بدأت الثورة على مستوى عال من التنظيم. الناظم الوحيد لم يكن سوى الغضب على ما تراكم من أخطاء وخطايا وضعت البلد على شفير الانهيار. إعلان الثورة بنود برنامجها كان بمثابة قيادة موقتة، تحقّق البند الأول منه بإسقاط الحكومة.
الضغوط ذاتها التي أفضت إلى استقالة الحكومة لم تكن كافية لتحقيق البند الثاني، أي تشكيل حكومة جديدة بغير آليات المحاصصة. تجربة تشكيل حكومة الدمى فرضت على الثورة العودة إلى المربّع الأول، أي إلى الضغط لإسقاط الحكومة. بدا كأن الثورة أضاعت انتصارها الأول ووهجه، فبدأت تتسرّب إلى نفوس الثوار مشاعرالإحباط والمراوحة داخل نوع من الروتين الثوري، وتقلّصت أعداد الثوار في الساحات في ظلّ تفشي وباء “كورونا”.
ما بدأته الثورة لم يعد كافياً بعد نكبة بيروت، نكبة الوطن. لبنان كلّه منكوب بحكّامه. الغضب الشعبي لم يعد كافياً. على الثورة أن تستكمل مؤتمراتها التجميعية: تحالف وطني، تكتّل عامية لبنان، الجبهة المدنية الوطنية، شرعة الإنقاذ الوطني، معاً لإنقاذ الوطن، وغيرها من الأطر الممثّلة للساحات والمناطق والقطاعات المهنية والنقابية، كلّها مطالبة بتشكيل لجنة تنسيق عليا، تضمّ ممثّلين عن كلّ المكوّنات المتمسّكة بسلمية الثورة وبالتغيير تحت سقف الدستور، ولا تستبعد إلّا من يخرج على هذين المبدأين.
ضاق الخناق على المسؤولين عن التدمير المنهجي للوطن والدولة. الحلف الحاكم هو المسؤول. مهمّة الثورة ليست العودة إلى الماضي. هذه مهمّة البحث العلمي والصحافة وكتابة التاريخ. شعار “كلّن يعني كلّن” ما زال صالحاً، لا لإطلاق الأحكام بل لإحالة الجميع أمام القضاء. الثورة ليست محكمة بل أداة ضغط، لتطبيق الدستور، أي للحيلولة دون تهرّبهم من المحاكمة. هذا يتطلّب التعامل بإيجابية مع كل القوى المعترضة على النهج الميليشيوي، أي الذي اغتصب السلطة وانتهك الدستور والقوانين، وعلى النهج المافيوي الذي قام بعملية سطو منظّم على المال العام.
على المفترق الحاسم بين السلمية والفوضى، بين تطبيق النظام والتخريب، تقف القوى اليسارية المشاركة في الثورة. اليسار وحده هو الموجود في كلّ المناطق والطوائف، لكن قوى السلطة توظّف موقفه من الرأسمالية والنظام المصرفي لتحرِف الأنظار عن نهب المال العام وتوجّهه ضدّ أصحاب الثروات وضدّ المصارف. على هذا المفترق يتحدّد مصير اليسار. فإما أن يكون جزءاً من الثورة، أو أن تستظلّ به قوى السلطة وجبهة المُمانعة للتخريب على الثورة. اليسار الحقيقي اليوم، ليس من يدعو إلى بناء الإشتراكية، بل المناضل في سبيل إعادة بناء الدولة الديمقراطية الدستورية ذات السيادة على حدودها، وداخل حدودها.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان