24 تشرين الأول 2020
أعرف أنّ رفع الدعم يؤدّي إلى رفع الأسعار، وإلى المضيّ في طبع العملة، وإلى التضخّم وإفقار الفقراء وتعميق الأزمة النقدية والمالية. قد يسأل سائل كيف لمن يعرف ذلك أن يطالب برفع الدعم اليوم قبل الغد؟ بل كيف إذا كان كاتب المقالة واحداً ممّن سينال رفع الدعم من مدخوله التقاعدي المتآكل بفِعل الأزمة؟ الجواب بسيط، إذا كان استمرار الدعم سبيلاً لحلّ أزمة الوطن، فالمطالبة برفعه فِعل خيانة وطنية، أمّا إذا كان ذريعة لتعطيل الحلول وسبيلاً للتغطية على اللصوص فهو، في هذه الحالة، خيانة للثورة وللإصلاح. قال لي صاحبي قول الجاحظ، دع الجملة وهاتِ التفصيل.
لا يُجدي البحث بطبيعة الأزمة اللبنانية وأسبابها البعيدة والتاريخية، التي قد تتجلّى فيها كلّ الأزمات الكونية المعاصرة، أزمة الإقتصاد الحرّ، ورأس المال المتوحّش، والنظام المصرفي والبرجوازيات الهجينة والتابعة، والإقتصاد الريعي، ونمط الإنتاج الكولونيالي، والتفاوت الطبقي والإستعمار العالمي والصهيونية والإحتلال الإسرائيلي والتدخّل السوري، بالإذن ممّن يسمّونه احتلالاً، والمطامع الإيرانية، بالإذن من حزب ولاية الفقيه اللبناني، والمطامع التركية والخليجية، ونهج الحريري المالي والنقدي والمديونية العامة التي قاربت المئة مليار دولار، ومشروعه المستمرّ بعد اغتياله في سياسة المصرف المركزي وحاكمه.
هذه الأسباب والتجلّيات والمظاهر مطروحة على طاولة النقاش والصراع، لا منذ ثلاثين عاماً بل ربّما منذ الجيل الثالث من النظام الرأسمالي العالمي، بحسب سمير أمين. فما من دولة في العالم، بما في ذلك الدول الأكثر استقراراً، إلا وتشكو من الفقر أو الجوع، أو التضخّم أو الفساد أو البطالة، أو التدخّل الخارجي أو غياب الديموقراطية أو الإستبداد. كلّ ذلك مكتوب في “لوح السماء” الرأسمالية. جديده في لبنان ليس الأزمة القديمة قِدم الصراع الطبقي والتحرّر الوطني من الإستعمار. جديده هوانفجارها بهذا الشكل غير المسبوق.
لماذا انفجرت الأزمة؟ ولماذا في خريف 2019 ؟ هذا هو السؤال الحقيقي؟ لماذا لم تُصِب توقعات “الأيادي السود” و”الإبراء المستحيل” ولم تنفجر خلال “الثلاثين عاماً”؟ لماذا انتظرت عقوداً، إن لم نقل خمسين عاماً أو ثمانين أو مئة هي عمر الحرب الأهلية أو عمر الإستعمار أو عمر لبنان الكبير والثورة البولشفية؟ فَهم الفارق الجوهري بين المطالبة بوقف الدعم والمطالبة باستمراره يتوقّف على طبيعة الإجابة على هذه الأسئلة.
لقد تراكم الدين العام أيام رفيق الحريري، واستمرّ يتضخّم بعده، غير أنّ العملة الوطنية حافظت على قيمتها وظلّ سعر الصرف ثابتاً، إلى أن بدأ رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة يتآكل بالإنفاق على تمويل الميليشيات ولإنقاذ الإقتصاد السوري المأزوم، وذلك من خلال السطو على المال العام وتهريب العملة الصعبة. البنك المركزي يدفع قيمة الدعم، واللصوص يبيعون السلع المدعومة، أي مشتقّات النفط والمواد الغذائية والأدوية خارج السوق اللبنانية. آخر الفضائح بيع الأدوية في الأسواق المصرية والسورية والعراقية، ثمّ استيراد بعضها من جديد من السوق المصرية.
المسؤول عن الإنفجار هو من انتهك الدستور وسيادة الدولة، بالسطو على المال العام، وتسهيل عمليات تهريب البضائع والعملة الصعبة خارج الحدود، وبإصراره على استمرار الدعم، ليستنفد ما تبقّى من رصيد البنك المركزي من العملات الصعبة، فيتحوّل نحو أموال المودعين.
شرط واحد ليكون استمرار الدعم أمراً مُمكناً، هو التزام السلطة ببرنامج الإصلاحات المعلن في بيانات الثورة.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان