13 شباط 2021
من محاولة اغتيال مروان حمادة حتى اغتيال لقمان سليم، يتكرر السيناريو ذاته. مع كل ضحية صرخات استنكار وتنديد ومطالبة بكشف الجناة وبوضع حد للتفلت من العقاب وحملات تضامن مع ذوي الضحية، عائلة نووية أو ممتدة كما في حالة لقمان سليم، أو حزباً، بيار الجميل، أو مؤسسة، وسام الحسن، أو دولة كما في حالة رفيق الحريري.
السجال الأمني الممل ذاته والسؤال عن هوية القاتل لمعرفته وإحالته إلى القضاء، وتوجيه أصابع الاتهام، إلى “حزب الله”. استنكر “حزب الله” هذه المرة مع المستنكرين. يتوارى القاتل خلف ذباب إلكتروني ولائحة أسباب محتملة تمتد حيث تبدأ بالشخصي وتنتهي بالتآمر على المقاومة. الرد تعداد مزايا ولائحة اتهامية وتكرار عبارات نضالية وإصرار على متابعة المسيرة.
منذ اغتيال الحريري والسياديون يصرون على البحث عن هوية القاتل، من دون البحث عن حل. معرفة هويته أمر مهم، لكن الأهم البحث عن مخرج من هذه الدوامة. مهدي عامل أقرب إليّ من لقمان. لم أطرح في كتابي، أحزاب الله، السؤال عمن قتل مهدي، بل سألت لماذا قتلوه؟ لم يكن خائناً لوطنه ولا متآمراً على المقاومة ولا عميلاً إسرائيلياً ولا من شيعة السفارة. كان مناضلاً صلباً في جبهة الممانعة ضد الأمبريالية والصهيونية والاستعمار، لكنه لم يقتل برصاص أعدائه. هل هو خطأ في التصويب أم خطأ في التفكير؟
وماذا لو تعرفنا على هوية القاتل؟ قاتل كمال جنبلاط معروف بالإسم. مع ذلك، استمرت المقتلة. بشير الجميل اغتيل رئيساً للجمهورية، وقاتله اقتيد بشحمه ولحمه إلى السجن. قيل إن السيارة المفخخة التي انفجرت بمروان حماده جهزها النظام السوري في الضاحية الجنوبية. المحكمة الدولية أدانت من فجّر موكب رفيق الحريري، لكن أحدهم داس سلفاً على أحكامها بـ”صرماية” الممانعة. كشف هوية القاتل يعريه من حصانته السياسية والشعبية، لكنه لا يكفي من غير خريطة طريق ديموقراطي نحو الحل.
السجال مملّ ربما لأنه غير متكافئ. يتولى الذباب الإلكتروني والإعلامي كيل الشتائم للضحايا ولذويهم وأتباعهم ومؤيديهم بلغة الشماتة والبذاءة التي طالت مقاومين ورموزاً وطنية كان آخرها التطاول على النائب أسامة سعد الذي دفعت عائلته غالياً ثمن الاغتيال السياسي. الفارق كبير بين من يصرخ من ألم أو قهر أو حزن، وهذا حقه، ومشهد من يحتفل بالاغتيال فيوزع الحلوى ويشحن النفوس بالحقد ويربي الجمهور على التعصب والجهل ويتسبب بالأذية لـ”حزب الله”، خصوصاً بعد أن تقلص جمهور المتضامنين مع مقاومة حررت الأرض من الاحتلال.
السلاح غير الشرعي من أعراض الأزمة لا من أسبابها. بات جزءاً من المعادلة قبل أن يولد “حزب الله”. أي منذ أن أباح له اتفاق القاهرة التطاول على الدولة وسيادتها. التوازنات الخارجية التي وفرت غطاء للسلاح غير الشرعي هي وحدها القادرة على سحبه، وآليات المعركة لتغيير النظام ليست كآليات معارك التحرر الوطني.
لا السلاح ولا مواجهته بالسلاح يفضيان إلى حل، ولا سياسة الاغتيالات وكم الأفواه تفضي إلى حل. الحل بالديموقراطية والدولة الدستورية، والنضال في سبيلها ليس أقل كلفة من الاستقلال. الخصم عقل لا يقبل التنوع والتعدد، يتحكم بأنظمة الاستبداد وبأحزابه، أحزاب الله كلها الدينية والقومية واليسارية. هوالعقل بالفعل لدى قوى الممانعة والعقل بالقوة لدى خصومها، والعقل الكامن، للأسف، في نهج بعض مكونات الثورة الذي يصر على تفريخ المجموعات بدل تجميعها.
أفضل تحية إلى روح لقمان توحيد قوى الثورة لتحقيق إصلاح تحت سقف الدستور يعيد بناء الوطن حراً والدولة سيدة على الحدود وداخل الحدود.
مقالات ذات صلة
نعم انتصرنا
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية