19 أبريل، 2024

4 آب 2021

https://www.nidaalwatan.com/article/54391

انتظر حافظ الأسد إجماعاً لبنانياً يطالبه بالتدخل، حتى إذا تطابق موقف الجبهة اللبنانية مع موقف التجمع الإسلامي، لم يتأخر لحظة في تنفيذ خطته بتحويل لبنان والفلسطينيين المقيمين فيه مع ثورتهم المسلحة إلى ورقة تفاوض من أجل التفاوض، لا للتوصل إلى تسوية ولا إلى حل مع أعدائه أو خصومه الافتراضيين.

قبل أن يتحول جيشه إلى ردع، كان النظام السوري يقفل الحدود في نقطة المصنع في كل مرة كان لبنان يطالب بسيادته على أرضه في منطقة “فتح لند”، وأول الشهداء في تلك البقعة كان من تنظيم الصاعقة السوري، وأول مجزرة طائفية خلال الحرب الأهلية ارتكبتها قوات الصاعقة في تل عباس في عكار.

كان شريكاً في أول معارك القوات ضد الفلسطينيين في تل الزعتر، وفي كل معارك أمل ضد المخيمات الفلسطينية، وفي المعارك والمجازر ضد القرى المسيحية من الدامور حتى القاع ناهيك عن زحلة والأشرفية، وفاعلاً في الاغتيالات الكبرى من كمال جنبلاط إلى بشير الجميل ورفيق الحريري.

كان يتمسكن أمام ثروات الخليج العربي ليتمكن من الثروات اللبنانية، وليس أهمها المال ولا البنوك ولا الأملاك العامة والخاصة ولا ما جناه أهل جهازه بالسطو المسلح أو بالخوات بالترهيب والترغيب، بل كان أهمها ثروة سياسية نادرة في العالم العربي من المحيط إلى الخليج إسمها الديموقراطية. على علاتها ونواقصها كانت إطاراً تنتظم تحت ظلالها خلافات اللبنانيين واختلافاتهم.

بعد أن تحول إلى نظام وصاية غداة الطائف، صار همه القضاء على آخر الحصون اللبنانية في مواجهة كل صنوف الحروب الأهلية، أي على الدولة. من ارتضى ذلك من رجال السياسة فيها تحول إلى دمية وصار يعمل كمخبر مأجور في أجهزته، ومن لم يرتض لنفسه ذلك انتهى كما انتهى أصدقاء القائد إلى الأبد من رفاق النضال ورفاق السلاح، في السجن أو في المنفى أو في القبر.

نظام الوصاية استمر وصياً، حتى بعد خروجه العسكري من لبنان، لكنه تحول إلى مرشد روحي ومخطط وآمر وناه في جبهة تشكلت بقيادته وتحت رعايته إسمها الممانعة، رسم لها أن تخوض ضد الصهيونية والإمبريالية نضالاً افتراضياً ومعارك إعلامية، وحدد لكل طرف من أطرافها مهمة، على قاعدة من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته، من القتال كمرتزقة في حربه ضد شعبه، إلى توظيف المسؤولين عن مؤسسات الدولة اللبنانية المالية والسياسية والديبلوماسية في خدمة مشروعه، وتحويل بعض الشخصيات والإحزاب إلى أبواق تهلل وتصفق وتعادي من يعاديه وتصادق من يصادقه وتحج عبر الحدود المفتوحة تلبية لدعوة أو لاستدعاء أو استجداء لنصيحة أو استدراجاً لتدخل ميداني عبر أذرعته السياسية والأمنية. من يخرج عن الطاعة أو يطلب حيزاً من حرية يلقَ العقاب اللائق بواسطة الأزلام والأدوات الرخيصة.

العقوبة الكبرى خصصها للبنان كدولة ذات سيادة، فاستباح الحدود وفتح عشرات المعابر غير الشرعية وشرعها لتهريب البشر والأموال والسلع المدعومة ولا سيما النفط، وجعل لبنان ممراً آمناً واستخدم مطاره وموانئه لإدخال ما لا يستطيع إدخاله عبر مطاره وموانئه. آخر الجرائم تخزين مئات الأطنان من نترات الأمونيوم وتهريبها لتهديم المدن السورية بالبراميل المتفجرة على رؤوس معارضيه، وما تبقى منها انفجر في الرابع من آب في ثالث أكبر انفجار شهدته البشرية بعد هيروشيما وناكازاكي.

هذه خلاصة قرار اتهامي بموجبه حكم الشعب اللبناني على النظام السوري بعقوبة إخراج جيشه من لبنان ذليلاً إثر اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري. شهر أيار من العام 2005 بات حداً فاصلاً بين مسؤوليته السياسية المباشرة، لأنه كان صاحب السلطة والقرار طيلة وجوده في لبنان كقوات ردع أو كنظام وصاية، ومسؤولية اللبنانيين من فريق الممانعة الذين استكملوا دوره في تولي السلطة أو تعطيلها منذ انسحابه خارج الحدود حتى انفجار المرفأ.

أدوات النظام السوري من اللبنانيين لم يشكلوا غطاءً فحسب لجرائم النظام السوري بل كانوا شركاءه، وبعد رحيله انكشفوا. جاءت الثورة لتكشف ما كان مستوراً في دولة الغابة والأجهزة، ولم يعد الاستزلام لأرباب النظام الأمني يحصن المرتكبين من العقاب. إذا كان القضاء معنياً دون سواه بتحديد المسؤوليات الجنائية عن جريمة المرفأ، فإن من حق الشعب اللبناني إصدار قراره الظني بحق كل وكلاء النظام السوري في لبنان رؤساء ووزراء ونواباً وقادة وأحزاباً وموظفين في أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية والإدارية.

ليس في سجل النظام السوري أي نقطة بيضاء في دوره اللبناني، وإذا كان انفجار الرابع من آب قد حيكت حبائله بتدبير من النظام السوري ولمصلحته فليس ذلك إلا استكمالاً لنهج الشراكة في الجريمة بين النظام ووكلائه اللبنانيين. فلم يعد يكفي القول إن الانتماء إلى جبهة الممانعة التي يديرها هو في حد ذاته جريمة، بل إن التعاون معه هو الجريمة بذاتها.