15 نيسان 2022
سيبقى مصطلحا اليمين واليسار صالحين إلى أن يتم استبدالهما بأفضل منهما، مع أنهما لا يعبّران بدقة عن طبيعة القوى التي انخرطت في الثورة ولا عن خصومها. في البداية قصفت عشوائياً ضد “المنظومة الحاكمة” المسؤولة فعلاً عن الانهيار المالي والنقدي، وفي البداية أيضاً استسهلت وضمت عشوائياً إلى صفوفها مجموعات من “هب ودب”.
لنقل إن الثورة يسارية، لا لأنها تطالب بالعدالة الاجتماعية أو الاشتراكية، بل لأنها تطالب بتطبيق القوانين واحترام الدستور، ولنقل، على هذا الأساس، إن من شارك فيها يساري أياً تكن الأصول التي تحدر منها، لمجرد موافقته على شعار الدولة والدستور، ولنقل إن من واجهها بالرصاص المطاطي أو الحي أو بالخردق أو بالإعلام يميني، حتى لو كان مناضلاً ضد الإمبريالية والصهيونية والاستعمار.
قانون الانتخاب هو “الماء التي كذبت الغطاس”. خلط الأوراق وحشر الجميع، كلاً في زاويته. “المنظومة” اضطرت إلى إحياء اصطفافاتها القديمة. المتراشقون بالتهم والشتائم والفضائح تعاونوا وتحالفوا وتضامنوا؛ في المقابل، ازدحمت المنصة الانتخابية بقوى الثورة التي راحت تخوض تنافساً في ما بينها لا مع من أطلق النار عليها في الساحات. مع أن التعدد والتنوع من صميم اللعبة الديمقراطية فقد بدا ازدحام المسرح بلوائح “المعارضة” بمثابة ظاهرة مرضية، لكنه مرض غير خطير وقابل للعلاج مع الوقت.
“لحقي” و”ممفد” تنظيمان ولدا من رحم الثورة، وعندما احتدم التنافس الانتخابي بدا واضحاً من يفكر بعقل الثورة ومن يفكر بالأوهام. أصاب لحقي مرتين، مرة حين احتج على “عجقة” لم يجد لها في نقائه النظري والثوري ما يبررها ففضل الانسحاب على التنافس مع رفاقه في الثورة، ومرة حين دعا أنصاره إلى المشاركة الكثيفة في الاقتراع لصالح لوائح المعارضة، خلافاً لليائسين الداعين إلى الاستقالة المبكرة من واجبهم الوطني.
أما ممفد فأخطأ ثلاث مرات، مرة لأنه هو من صنع العجقة أو شارك في صنعها إذ قرر خوض المعركة الانتخابية في كل الدوائر وقدم أكثر من خمسين مرشحاً ومارس الابتزاز على الأقربين والأبعدين، ومرة حين أصر على خوضها ضد رفاقه في الثورة. وفي الثالثة حين توهم وراح يوهم الآخرين بأن كثرة عدد مرشحيه دليل على مدى انتشار الحزب، فيما هي ليست إلا دليلاً على تضخم الأنا.
مع أنني سأقترع للائحة تضم بين صفوفها أحد ممثلي ممفد (مواطنون ومواطنات في دولة)، أجد من واجبي لفت نظر هذا التنظيم إلى أنه لم ينتصر بإدخال ممثله عنوة في اللائحة، بل إن اللائحة هي التي انتصرت عليه. فهي الوحيدة التي حرصت على عدم تشتيت المعارضة وأصواتها وهي الوحيدة التي كفت عن المعارضة شر الشرذمة، وهي الوحيدة التي، بموافقتها على التعاون مع ممفد، منعته من الذهاب إلى الخيار الخاطئ الذي انتهجه على مساحة كل الدوائر الانتخابية في لبنان، لكن ذلك لم يحصل إلا مقابل ثمن باهظ دفعه مناضلون في الدائرة الانتخابية أفراداً وأحزاباً.
ممفد قدم نموذجاً سيئاً في الممارسة السياسية حين دفع مناضليه إلى خوض المواجهة مع رفاقهم في الثورة لا مع خصومهم من أهل المنظومة الحاكمة، فلم يسلم من نقد قاس حده الأدنى اتهامه بالعمل في خدمة المنظومة.
من فضائل هذه الانتخابات، وهي الأولى بعد اندلاع الثورة، أنها ستكشف أحجام من انخرطوا في الثورة أو تسلقوا عليها، وحين يذوب ثلج النتائج ستنجلي الفوارق بين “الشحم والورم”.
في كتابه المعنون “مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية”، يرى لينين أن التطرف اليساري لا يقل خطراً على الثورة من التطرف اليميني وأن الثورة لا تبنى بالشعارات الصبيانية اليسارية المخترعة.
على إحدى صفحات الثورة اللبنانية سنقرأ ذات يوم أن أوراماً متضخمة طفحت على جلد الثورة في الانتخابات، وأن قوى الثورة في الدائرة الثالثة في الجنوب قدمت نموذجاً يحتذى لا في معالجة مرض الأورام فحسب بل كل الأمراض الطفولية منها والطفيلية.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان