9 نيسان 2022
هل خطاب «حزب الله» والقوات اللبنانية وحركة أمل والتيار الوطني الحر خطاب طائفي؟ وهل الخطاب الطائفي خطاب يميني؟ لا شكّ في أن حابل اليمين اختلط بنابل اليسار ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكن البلبلة حصلت في لبنان قبل ذلك بكثير، بإزاحة المصطلح عن سكّته. في البدء انحصر الخيار بين لبنان المسيحي ولبنان العربي ثم كانت الجبهة اللبنانية المسيحية التكوين والحركة الوطنية الإسلامية التكوين. إذاعة لندن رصدت الاصطفاف وصدّرت أخبار الحرب الأهلية بالكلام عن اليمين المسيحي واليسار المسلم، وانزلق مثقفون محليون إلى جانب أحزابهم وأضفوا على المصطلح الجديد شرعية ثقافية لم يسلم من آثارها السلبية لا جيل الحرب ولا الجيل التالي، إلى أن جاءت الثورة وأعادت الاعتبار للمضمون السياسي للصراع.
أخرجت الثورة المصطلح من الالتباس فجمعت في صفوفها لبنانيين من كل الطوائف في مواجهة حكام من كل الطوائف. من الآن حتى تستقرّ اللغة السياسية على مصطلحات جديدة يبقى مصطلح اليمين واليسار أكثر دقة في التعبير عن الحقيقة، لكن مع تعديل في مضمونه، ذلك أن اليساري في الظرف الملموس للوضع اللبناني الحالي ليس من يناضل من أجل الاشتراكية والعدالة الاجتماعية بل من أجل استعادة الدولة من مغتصبيها. بهذا المعنى يكون يسارياً كل مدافع عن الدولة، ويمينياً كل من ينتهك سيادتها ودستورها وقوانينها ولا سيما منهم الطائفيون بفكرهم وبأطرهم التنظيمية.
«حزب الله» جرجر الدين إلى السياسة، فاستبدل الواجب الوطني في الانتخابات بالتكليف الشرعي، و»استحضر مقام الألوهة كمادة دعائية لحث الشيعة على الاقتراع» بحسب تعبير الزميل محمد عبيد، واستحضر الشيطان الأكبر من لغة القرآن بديلاً من الأمبريالية والاستعمار، ليستكمل سرديته الجهادية مدافعاً عن الولي الفقيه وعن المقامات الشيعية تمهيداً لعودة المهدي المنتظر، مستخدماً مصطلحات دينية صرفاً في خطابه السياسي والانتخابي. فهل بهذا الخطاب تبنى الدولة؟
مقابل هذا الخطاب الشيعي يكثر الكلام على الضفة الأخرى عن المجتمع المسيحي وعن حضارتين وثقافتين وصولاً إلى كلام سابق عن الوطن القومي المسيحي والتقسيم والفدرالية وكلام لاحق عن التمثيل المسيحي وعن استنكار فوز مسيحيين بأصوات مسلمين، فضلاً عن استجداء القوى المسيحية رضى مرجعياتهم الدينية وتأييدها لمواقفهم السياسية، مع أن هذه المرجعيات، وللإنصاف، هي أكثر تمسكاً بالمصطلحات السياسية في خطابها وأكثر حرصاً على القيم الدستورية وأكثر علمانية من علمانيين مزعومين يدّعون تمثيل المسيحيين.
لولا وقوف المرجعية الدينية لدى الطائفة السنية ضد أي تعديل في قوانين الأحوال الشخصية، لقلنا وللإنصاف أيضاً، إن النافذين من ممثلي الطائفة ترفعوا عن استخدام اللغة الطائفية والمذهبية ولم يصدر عنهم لا قديماً ولا حديثاً ما يعيب خطابهم السياسي، فقد أوقف رفيق الحريري العد وحين استقال وريثه لم تبرز لملء الفراغ سوى بدائل لم تستند في خطابها إلى القرآن أو الحديث الشريف بل إلى لغة الوحدة الوطنية.
الثنائي الشيعي يرفض هذه التسمية ويفضل استبدالها بالثنائي الوطني، لكنه، على اختلاف الأسماء، حين يخجل من إعلان موقف يومئ إلى دار الإفتاء الموروثة ويجعل منها منصة ناطق رسمي. ومع أن حركة أمل أقل استخداماً للمصطلحات الطائفية، لكنها، حين تستحضر في خطابها أقوالاً سياسية مأثورة للسيد موسى الصدر، إنما تستظل بها فيئه كرمز ديني قبل السياسي، وحين يرفض نبيه بري «أي شكل من أشكال تطبيع العلاقات مع السلطات الليبية ما لم تتم إماطة اللثام عن جريمة الاختطاف» فهو لا يدين، باسم الدين، نظاماً قاتلاً، إلا لأنه متضامن ومتعاون ومتحالف مع نظام قتلٍ عربي آخر، فيحشد الطائفة في خطاب الإدانة ثم يوظف هذا الحشد في كلام عن التضامن العربي والوحدة الوطنية والعيش المشترك، كلام يفرغه من معناه موقف من الدولة خلاصته أن الحركة حين تولت محاربة الفلسطينيين نيابة عن النظام السوري، رفعت شعار عودة الدولة، وبعد خروجهم كافأها نظام الوصاية فأوكل إليها دوراً أساسياً في خطة تدمير الدولة.
هل خطاب «حزب الله» والقوات اللبنانية وحركة أمل والتيار الوطني الحر خطاب طائفي؟ وهل الخطاب الطائفي خطاب يميني؟ لا شكّ في أن حابل اليمين اختلط بنابل اليسار ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكن البلبلة حصلت في لبنان قبل ذلك بكثير، بإزاحة المصطلح عن سكّته. في البدء انحصر الخيار بين لبنان المسيحي ولبنان العربي ثم كانت الجبهة اللبنانية المسيحية التكوين والحركة الوطنية الإسلامية التكوين. إذاعة لندن رصدت الاصطفاف وصدّرت أخبار الحرب الأهلية بالكلام عن اليمين المسيحي واليسار المسلم، وانزلق مثقفون محليون إلى جانب أحزابهم وأضفوا على المصطلح الجديد شرعية ثقافية لم يسلم من آثارها السلبية لا جيل الحرب ولا الجيل التالي، إلى أن جاءت الثورة وأعادت الاعتبار للمضمون السياسي للصراع.
أخرجت الثورة المصطلح من الالتباس فجمعت في صفوفها لبنانيين من كل الطوائف في مواجهة حكام من كل الطوائف. من الآن حتى تستقرّ اللغة السياسية على مصطلحات جديدة يبقى مصطلح اليمين واليسار أكثر دقة في التعبير عن الحقيقة، لكن مع تعديل في مضمونه، ذلك أن اليساري في الظرف الملموس للوضع اللبناني الحالي ليس من يناضل من أجل الاشتراكية والعدالة الاجتماعية بل من أجل استعادة الدولة من مغتصبيها. بهذا المعنى يكون يسارياً كل مدافع عن الدولة، ويمينياً كل من ينتهك سيادتها ودستورها وقوانينها ولا سيما منهم الطائفيون بفكرهم وبأطرهم التنظيمية.
«حزب الله» جرجر الدين إلى السياسة، فاستبدل الواجب الوطني في الانتخابات بالتكليف الشرعي، و»استحضر مقام الألوهة كمادة دعائية لحث الشيعة على الاقتراع» بحسب تعبير الزميل محمد عبيد، واستحضر الشيطان الأكبر من لغة القرآن بديلاً من الأمبريالية والاستعمار، ليستكمل سرديته الجهادية مدافعاً عن الولي الفقيه وعن المقامات الشيعية تمهيداً لعودة المهدي المنتظر، مستخدماً مصطلحات دينية صرفاً في خطابه السياسي والانتخابي. فهل بهذا الخطاب تبنى الدولة؟
مقابل هذا الخطاب الشيعي يكثر الكلام على الضفة الأخرى عن المجتمع المسيحي وعن حضارتين وثقافتين وصولاً إلى كلام سابق عن الوطن القومي المسيحي والتقسيم والفدرالية وكلام لاحق عن التمثيل المسيحي وعن استنكار فوز مسيحيين بأصوات مسلمين، فضلاً عن استجداء القوى المسيحية رضى مرجعياتهم الدينية وتأييدها لمواقفهم السياسية، مع أن هذه المرجعيات، وللإنصاف، هي أكثر تمسكاً بالمصطلحات السياسية في خطابها وأكثر حرصاً على القيم الدستورية وأكثر علمانية من علمانيين مزعومين يدّعون تمثيل المسيحيين.
لولا وقوف المرجعية الدينية لدى الطائفة السنية ضد أي تعديل في قوانين الأحوال الشخصية، لقلنا وللإنصاف أيضاً، إن النافذين من ممثلي الطائفة ترفعوا عن استخدام اللغة الطائفية والمذهبية ولم يصدر عنهم لا قديماً ولا حديثاً ما يعيب خطابهم السياسي، فقد أوقف رفيق الحريري العد وحين استقال وريثه لم تبرز لملء الفراغ سوى بدائل لم تستند في خطابها إلى القرآن أو الحديث الشريف بل إلى لغة الوحدة الوطنية.
الثنائي الشيعي يرفض هذه التسمية ويفضل استبدالها بالثنائي الوطني، لكنه، على اختلاف الأسماء، حين يخجل من إعلان موقف يومئ إلى دار الإفتاء الموروثة ويجعل منها منصة ناطق رسمي. ومع أن حركة أمل أقل استخداماً للمصطلحات الطائفية، لكنها، حين تستحضر في خطابها أقوالاً سياسية مأثورة للسيد موسى الصدر، إنما تستظل بها فيئه كرمز ديني قبل السياسي، وحين يرفض نبيه بري «أي شكل من أشكال تطبيع العلاقات مع السلطات الليبية ما لم تتم إماطة اللثام عن جريمة الاختطاف» فهو لا يدين، باسم الدين، نظاماً قاتلاً، إلا لأنه متضامن ومتعاون ومتحالف مع نظام قتلٍ عربي آخر، فيحشد الطائفة في خطاب الإدانة ثم يوظف هذا الحشد في كلام عن التضامن العربي والوحدة الوطنية والعيش المشترك، كلام يفرغه من معناه موقف من الدولة خلاصته أن الحركة حين تولت محاربة الفلسطينيين نيابة عن النظام السوري، رفعت شعار عودة الدولة، وبعد خروجهم كافأها نظام الوصاية فأوكل إليها دوراً أساسياً في خطة تدمير الدولة.
مقالات ذات صلة
مقالة الوداع
تهافت خطاب “الشيعية السياسية”
قمة التطبيع