25 أبريل، 2024

الخطاب الخشبي والإنتخابات (١)اليسار

2 نيسان 2022

https://www.nidaalwatan.com/article/71504

يرمى بالجمود العقائدي كل يساري يغرف من معين الآباء والأجداد فيحفظ أقوالهم ومواقفهم ويسقطها على حاضره. هذا الغرف ليس حكراً على اليسار الخشبي. الأصوليات الدينية أعرق غرفاً من سواهم لكن اليسار أرادها، بموجب قانون حق الملكية الفكرية، ماركة مسجلة على أفكاره وطريقة تفكيره.

آخر بدع التخشب ما يصدر عن أهل الثورة في معركة الانتخابات النيابية. استُنسخ لينين وتوزعت نسخه على الدوائر والأقطار والأمصار. من حسن حظ الثورة أن المجموعات التي كانت تعد بالمئات تراجعت أعدادها وقت التحدي الديمقراطي واختفى أو توارى معظمها، فنجونا من اشتباكات ومساجلات بين مستنسخاتها اللينينية. ومن حسن حظها أيضاً أن خلايا بعض عقولها مرسومة بألوان «يمينية».

الفائز في الانتخابات سيسمى نائباً عن الأمة لا عن الدائرة التي ترشح فيها. إذن من حق اللبناني أن يتنقل كالغزال بين الدوائر فيختار عرينه. لليسار الأولوية في تأويل المعنى لأن ساحته أوسع من كل الدوائر فهو أممي بالهوية.

صحيح أنها بدعة قديمة مما قبل اليسار واليمين، أول ممثل للكاثوليك الجنوبيين كان من زحلة، وأول نائب كاثوليكي عن جزين من مواليد صور؛ قضاء الزهراني لم يتمثل منذ قانون الستين حتى اليوم بواحد من مواليد قراه وبلداته. موارنة طرابلس تمثلوا ذات مرة بمرشح من منطقة الشوف، وشيعة زحلة بمرشح من تيار المستقبل.

هذه المرة جاء دور الثورة. أحد لينينييها أفتى بأن يقود المواجهة في منطقة مرجعيون مرشح من مواليد النبطية، ما يعني أنه سينال صفراً من الأصوات التفضيلية، ولن يفوز حتى لو نالت لائحته عشرة حواصل من أحد عشر حاصلاً انتخابياً في الدائرة التي ترشح فيها.

اليسار الخشبي موجود في معظم الدوائر. أحد المرشحين انسحب من المعركة احتجاجاً على السلوك الخشبي وقال في بيانه: «الوطن والمواطن أسرى ومظلومون، ونحن، الذين حملنا لواء الثورة والتغيير، أسقطنا لواء الترفع والسمو. لم نوحد لائحة الثورة، خذلنا الجرحى والشهداء، أبكينا من قدموا أعينهم فداء، خذلنا الاطفال والشيوخ، المعلم والطالب، الجندي ورجل الأمن والشرفاء».

أهل المنظومة الحاكمة الخائضو الغمر تناسوا صراخهم وتراشقهم بالشتائم منذ الدورة السابقة، وها هم يتصالحون في الانتخابات لا ليفوزوا فوزاً كاسحاً فحسب، بل ليستعيدوا محادلهم بالتحاصص وليواجهوا الثورة كأنها هي التي وعدت بجهنم وكأنهم هم من يعملون على فتح أبواب النعيم. في المقابل يصر الخشبيون على شرذمة قواهم وتشتيت أصواتهم، مع أن الماكينات الانتخابية لدى السلطة ولدى المعارضة على حد سواء تشير إلى أن الثورة قادرة، إذا ما توحدت قواها، على خرق لوائح السلطة في كل الدوائر الانتخابية، حتى في عرين الستة الكبار.

اليسار الخشبي يخوض الانتخابات مسلحاً بتأويلات وفتاوى مما قبل الثورة ومما قبل القانون الأسوأ في تاريخ القوانين الانتخابية. على الحلبة ذاتها من هذا القانون العجائبي يتعاون أهل اللائحة ويتصارعون. يتعاونون ضد خصومهم لتأمين «الحواصل» ثم يتنافسون على الصوت التفضيلي.

فتوى أخرى أكدت أن الانتخابات النيابية هي ساحة مواجهة ضد الامبريالية والصهيونية لتحرير الجولان ولتحرير جورج عبدالله من السجن الفرنسي، وضد أدواتهما في الداخل من القوى السيادية والمصرفية ورأس المال المتوحش، ومناسبة لتعميق التحالف مع قوى الممانعة في مواجهة الشيطان الأكبر. العجيب الغريب أن هذه الفتوى صدرت عن فقيه لينيني يعيش في الربوع الإمبريالية في باريس. الله ستر ولم تكن إقامته للعمل أو للدراسة أو للإفتاء من واشنطن.

سقى الله أيامك يا لينين، يوم رأيت أن الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية. اليوم أعلى مراحل الجهل الثوري قابعة في رؤوس مستنسخيك المهازل. أليس معلمنا ماركس من قال أن النسخة المكررة من الشيء لا تكون إلا مهزلة، أي مسخرة؟

هذه الانتخابات هي الأولى بعد اندلاع ثورة اللبنانيين المجيدة. أياً تكن النتائج الرقمية، فهي المصفاة التي سيتساقط منها المتسلقون عليها، وخصوصاً أصحاب الفتاوى الثورية.

المقالة التالية عن اليمين الخشبي.