27 أيار 2022
بعضهم من مواليد ما قبل الثورة ومنهم من انتسب إليها يافعاً. منهم القادم من أصول يسارية ومنهم من أفرزته منظمات المجتمع المدني والجامعات والكفاءات العلمية. جسّدوا التنوع فيها أفضل تجسيد وها هم يبحثون اليوم عن صيغة للتنسيق أو للتحالف أو للنشاط الجبهوي، في ما بينهم في البداية ثم مع زملائهم في البرلمان.
قبل الانتخابات لم يشكل التنسيق شغلاً شاغلاً لأهل الثورة. كانوا يمارسون حرية التعبير عن تنوعهم ضمن مروحة تمتد ما بين إصرار على استخدام العنف وثورة تحت سقف الدستور. وانتهت الجولة بانتصار الخيار السلمي الذي دخل ممثلوه إلى البرلمان من غير أن يشكلوا وحدهم أكثرية.
قبل الثورة أجمع المتنوعون على مواجهة “المنظومة الحاكمة”. اكتشفوا أن مصطلح المنظومة الذي صوبوا عليه قبل الانتخابات تحت شعار كلن يعني كلن، كان صالحاً في لحظة قصيرة من حياة الثورة ولم يعد ذا جدوى بل بات مضراً تحت قبة البرلمان.
في 17 تشرين الأول 2019 بدأت الثورة جولتها الأولى، وفي 16 أيار 2022 جولتها الثانية. في الأولى حاصرت البرلمان وفي الثانية دخلته من بوابته الكبرى. بعد أن كانت معارضة صرفاً صارت جزءاً من السلطة التشريعية، فهل يصحّ أن يتم التعامل مع برلمانييها باعتبارهم جزءاً من المنظومة؟ ليس الطفيليون وأنصار العنف من اليسار المغامر وحدهم من لهم مصلحة في ذلك.
المنظومة مصطلح مغلوط. لا بد من تعديله وتبديله مع مفعول رجعي ونقد ذاتي. لن يستطيع بضعة عشر نائباً الاكتفاء بما وفرته لهم بدايات الثورة من مبادئ ومعايير وشحنات حماسية. السياسة فن الممكن. سيجدون أنفسهم مضطرين للتعاون والتحالف مع من كانوا خصوماً لهم في الجولة الأولى. فهل يصح استبداله بمصطلح أكثر دقة: “التحالف الحاكم”.
في 20 كانون الأول عام 2020 حين كان أهل الثورة يضربون خبط عشواء ويصوبون في كل اتجاه، ضد النظام الطائفي وضد الإمبريالية والصهيونية، ويتظاهرون أمام المصارف ويرعدون ويزبدون في وجه حاكم البنك المركزي، ناشدتهم في مقالة لي ألا يسددوا خارج مرمى التحالف الحاكم المحدد بدقة بقائمتين من الشيعية السياسية وعارضة من “التيار الوطني الحر”. بعد عامين بات هذا الفرز حقيقة ساطعة.
نواب الثورة اليوم أمام هذه الحقيقة التي تملي عليهم ضرورة التعاون مع كل من ليس من مكونات المرمى، ليواجهوا نهج التدمير المنهجي للدولة والاقتصاد والثقافة والسيادة والمجتمع الذي أرساه التحالف الحاكم.
نواب الثورة مسؤولون قبل سواهم وأكثر من سواهم عن تجميع كل من لا ينتمي إلى تحالف التدمير والتعطيل والانتهاك المتمادي للدستور، وذلك للحؤول دون تنفيذ المخطط المشؤوم الهادف إلى دفع الوطن نحو انهيار مالي ونقدي واقتصادي وثقافي غير مسبوق.
الثورة تمكنت عبر الانتخابات من إسقاط عكازات التحالف وأدوات الممانعة، وهي تطلب اليوم من ممثليها في البرلمان إرساء نهج جديد للعمل السياسي من شأنه رفع مستوى النائب من معقب معاملات إلى مشرع ومراقب ومحاسب للحكومة.
ليس هذا فحسب، بل هي تضع أمامهم مهمة إعادة الاعتبار للآليات الدستورية في تشكيل الحكومات تلك الآليات التي تولى تشويهها في عهد الوصاية سماسرة النظام السوري، الذين توزّعوا سيادة الدولة وأجهزتها الإدارية والعسكرية والأمنية بالمحاصصة وعمّموا قيم الفساد وتقاسموا ثروات البلاد ومواردها البشرية والمالية وكأنّها آلت إليهم بالوراثة.
أنتم باكورة إنجازات الثورة. أول الغيث قطر ثم ينهمر. أنتم القطر وغيثكم آت.
مقالات ذات صلة
طوفان عيوب في حرب الإسناد
حزب الله كمقاومة وحزب الله كحركة تحرر وطني
هل الصمت الدولي مشروع ومبرر؟