22 نوفمبر، 2024

أقلّية نيابية من الكذّابين

4 حزيران 2022

https://www.nidaalwatan.com/article/83944-3

حسناً فعل وليد جنبلاط في تغريدة ما بعد الاجتماع الأول للبرلمان حين صنف الاصطفاف داخل المجلس النيابي بين جبهتين إحداهما جبهة الممانعة من حلفاء النظام السوري وأتباعه وأدواته. هذا النوع من التصنيف يجعل تعداد الأكثرية والأقلية النيابيتين سهلاً وبسيطاً.

في جبهة الممانعة بضعة عشر نائباً لكل من “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”، يضاف إليهم “فراطة” يعدون على أصابع اليدين، فيكون مجموعهم بضعة وخمسين. مشاركة ثمانية نواب من “الاشتراكي” في انتخاب رئيس المجلس شوش الحسابات، إذ تبين أن عدد الذين “يلعبون على الحبلين” أو يخجلون من إعلان انتمائهم الصريح أو الذين سبق لهم أن تدربوا في أجهزة المخابرات، والله أعلم، لا يتجاوز العشرة، أما في انتخاب نائبه فقد صار العدد بضعة عشر.

ليست هذه نتيجة التشويش الوحيدة. الأفدح انها تسببت بوضع نواب الثورة موضع الاتهام بتبديد الأكثرية النيابية السيادية، وبأنهم وراء نجاح رئيس المجلس النيابي ونائبه. استسهلت العقول الحاسوبية البحث فوجدت أمامها “بضعة عشر” نائباً معدودين، حين اجتمعوا انقسموا بين سبعة وستة، بحسب ما صرحت النائبة حليمة القعقور، وقرروا بالأكثرية الاقتراع بورقة بيضاء في الدورة الأولى من انتخاب نائب الرئيس وضد مرشح الممانعة في الثانية.

ست جهات شاركت في تنظيم الحملة عليهم. إعلاميون، يساريون طفيليون أو طفوليون، متحدرون من 14 آذار، سياديون، فضلاً عمن يقاوم الاحتلال الإيراني من منصات التواصل أو على متاريس في بلاد الانتشار، يضاف إليهم من رأى التنوع والديمقراطية بين نواب الثورة من علامات يوم القيامة وظهور “الصاحب” والانهيار المحتوم. لا أحد يعلم شيئاً عن حصة خفية لقوى الممانعة في هذه الحملة.

لنتخيل أنهم تغيبوا عن الجلسة البرلمانية الأولى، فماذا ستكون النتائج. خمسة وستون صوتاً لمرشح الرئاسة الوحيد وخمسة وستون صوتاً لنائبه. النتيجة إذن خمسة وستون، لا أكثر ولا أقل، بحضور نواب الثورة أو بغيابهم، فضلاً عن إعلانهم الواضح القاطع أنهم اقترعوا للعدالة في مواجهة شرطة المجلس النيابي ومفجري مرفأ بيروت.

بحسب اختصاصيي الإحصاء، حصل الرئيس ونائبه على الرقم ذاته لكن بتنويعتين مختلفتين. تموضع “الاشتراكي” في انتخاب الرئيس في جهة وفي انتخاب نائبه في الجهة الأخرى هو الذي جعل تصنيف الأكثرية والأقلية ملتبساً وجعل عدد النواب “الملونين” رجراجاً متماوجاً، وهو الذي صور ما جرى كأنه صفقة مكشوفة بين أهل المنظومة، وهو الذي خفف من وهج النتائج الباهرة التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية لدورة 2022.

تعداد الأكثرية والأقلية في المجلس النيابي ينبغي أن يحسب استناداً، لا إلى اصطفاف وليد جنبلاط الخاطئ في انتخاب الرئيس ونائبه بل إلى تغريدته، تغريداته، التي لم تخطئ التصويب على مكمن الخلل، واستناداً إلى تصريحاته المحتضنة للثورة والتغيير لا إلى تصريحات بعض ممثليه في البرلمان الذين يسترشدون دائماً بكمال جنبلاط ويتوجسون من الثورة.

أسلوب وحيد كفيل بحماية الأقلية الطائفية أو الأقلية النيابية، هو في النظر إليها كنواة لأكثرية افتراضية. هذا ما فعله كمال جنبلاط حين جعل دور طائفته وحزبه أكبر من حجمهما العددي. وهذا ما ينبغي أن تكون عليه قوى التغيير في البرلمان الحالي.

نواب الثورة ليسوا أقلية. مع المنادين بوحدة الوطن وسيادة الدولة على حدودها وداخل حدودها، والمطالبين بقيام دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، يصبحون هم الأكثرية في المجلس النيابي مثلما هم الأكثرية في ساحات النضال الموزعة بين أربع أرجاء الوطن.

أقلية وحيدة في البرلمان تتخفى خلف وجوه متعددة، هي أقلية النواب الكذابين.