23 أبريل، 2024

الثابت والمتحوّل في برلمان 2022أساتذة في مدرسة مشاغبين

11 حزيران 2022

https://www.nidaalwatan.com/article/85784

حتى لا تحسب من باب التورية، فالتورية المكشوفة ليست من فنون البلاغة، خصوصاً أن البلاغة من العلوم اللغوية الصعبة التي لا يجيدها برلمان اكتسب مهاراته اللغوية في مدرسة المخابرات خلال نظام الوصاية. نواب الثورة هم الأساتذة والبرلمان هو مدرسة المشاغبين.

المحبطون والمشككون والطفيليون والطفوليون يتشاركون في طرح التساؤل عما فعلته وعما يمكن أن تفعله حفنة من نواب جدد. والجواب واضح بعد نتائج جلستين. هم حفنة من أساتذه أعادوا الاعتبار إلى اللغة البرلمانية، لغة الديمقراطية، بعد أن كانت على امتداد «الثلاثين عاماً» لغة مليئة بمصطلحات التدليس والتكاذب والمكائد و»المقالب» والبلطجة والتشبيح، الأقرب إلى اللغة الزقاقية منها إلى آداب الحوار البرلماني، وما أكثر الأمثلة والعينات في مخاطبة زميل لزميله، من «طهر نيعك» قديماً حتى «يا إبني» حديثاً وبينهما «اللي طلع الحمار عالميذنة».

آليات التصويت في المجلس النيابي هي باب النجاة بل التملص من المحاسبة الشعبية، لأن نائب الأمة يتخفى خلف قرارات»صُدّقَ» برفع الأيدي وبإجماع كاذب. اسمعوا هذا المسؤول، «بدل ما يكحلها عماها». حين سئل بو صعب نائب رئيس البرلمان عن ذلك في أول مقابلة تلفزيونية له بعد انتخابه في هذا المنصب، أجاب بأن الرئيس كان يكتفي برؤية يد واحدة ترفع من كل كتلة من الكتل الكبرى ليتأكد من موافقة الأغلبية على القرار.

لنفترض أن إجابته لا تجانب الحقيقة، فهي تذكّر، للأسف، بمصطلح استخدمته بعض الجهات الحكومية والطبية في العالم كآلية لمواجهة وباء الكورونا، «مناعة القطيع». التصويت بالكتلة لا هو صلاة الجماعة ولا قداس الأحد ليكتفي المصلون بالإصغاء إلى عظة أو خطبة، ولست أظن أن التصويت «بالكتلة» من آليات الديمقراطية البرلمانية. لكن ذلك ليس بغريب على نواب يتخلون عن صلاحية التصويت وحتى عن النقاش وينتظرون الأمر يأتيهم من خطاب أو تصريح صحافي يلقيه زعيم أو مسؤول من خارج البرلمان.

حين اقترح أحدهم آلية التصويت الإلكتروني لاختصار الوقت، رد الرئيس بأن الحل بالتوافق، وهو يضمر في قوله أن التوافق لا يختصر الوقت فحسب بل النقاش أيضاً وهو خير سبيل لإلغاء الحق بالاختلاف والتعبير عن الرأي الآخر وأفضل وسيلة لجعل البرلمان كأسنان المشط. قيادة الأوركسترا تختصر كل الآراء وتغربلها وتصنع منها معادلات يكون الكل راضياً عنها.

كان ذلك يحصل بقوة أجهزة الوصاية وما على المجلس النيابي إلا أن يبصم على ما تقرره عنجر أو على نقيضه حين يطلب إليه ذلك، على غرار ما حصل بقانون المحاكمات الجزائية الذي استند إليه القضاء الدولي حين اعتقل الضباط الأربعة بعد اغتيال الحريري.

التوافق أيام الوصاية كان زجرياً. بعدها صار من آليات المحاصصة. الانتخابات داخل المجلس النيابي كشفت المستور. التوافق كان وسيلتهم للتحاصص بالخفاء. مع الاقتراع بدت الاصطفافات الإعلامية والمعارك الانتخابية أقرب إلى خدعة بصرية منها إلى تنافس على موقع أو واجب أو عضوية لجنة نيابية. لكنها بلغت منتهى التفاهة والابتذال حين رفضت لجنة الإدارة والعدل نقيباً للمحامين في عضويتها واختارت بديلاً منه مطلوبين للعدالة.

بديلاً من الانتخاب كان يتم اختيار النواب بالتعيين من لحظة تشكيل لوائح المحادل في عنجر أو في بيت الزعيم. لكن، حتى مع قانون هو الأسوأ في تاريخ البشرية، لم تعد النتائج تعرف مسبقاً، بعد دخول نواب الثورة إلى البرلمان. ولو أجريت الانتخابات على أساس قانون عصري يقوم على النسبية ويعتمد لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي لكان طوفان الثورة قضى على المحاصصة والتكاذب الطائفي وأعيد النظر بالأحجام والأعداد وحساب الأقلية والأكثرية.

القضية ليست لعباً على الألفاظ. نعم نواب الثورة أساتذة لأنهم فرضوا داخل البرلمان آليات لم تكن مألوفة، ولأنهم رفعوا البرلمان إلى مستوى التنوع وتعدد الآراء ورفعوا عنه صفة القطيع الذي كان يساق بالتوافق، ووضعوا أعضاءه وكتله موضع المحاسبة الشعبية على موقف كل كتلة أو كل عضو في كتلة.

عدد «الأساتذة» لا يقتصر على ثلاثة عشر نائباً. ففي البرلمان أساتذة مثلهم داخل الكتل وخارجها وإذا كان أمام نواب الثورة من مهمة جليلة فهي السعي لتوسيع صفوف كتلة الأساتذة وحشر المشاغبين في زوايا التوافقات الرخيصة والمزايدات المكشوفة والمناورات المبتذلة ولغة شيوخ العشائر.